القصة الثانية
الزوجة الحاضرة
أكتب لكِ لأني في حاجة ماسة
للتعرف علي رأيك و الحلول الممكنة لعلي
أجد فيها مخرجاً من المأزق الذي
وقعت فيه مؤخراً.
أنا طبيبة حصلت عقب تخرجي علي
درجة الماجستير و دبلومتين في مجال تخصصي و زمالة كلية الطب من بريطانيا و أوشك
علي الانتهاء من مناقشة رسالة الدكتوراه تحت إشراف كلية الطب التابعة لجامعة
بأمريكا .
و قد تزوجت منذ عشر سنوات و وقف
زوجي إلي جواري وساندني كثيراً بالتشجيع المادي و المعنوي حتى حققت النجاح الذي
أرادته لنفسي و زوجي أيضا حصل علي وظيفة مرموقة و حصل علي الماجستير و كانت حياتنا هادئة إلي أن تلقيت مواقفه كلية
طب عربية علي العمل فيها و تحمست للسفر و خوض التجربة لكن زوجي اعترض في البداية
لأنه ليس له عمل هناك ولكنني أقنعته بأنه ذلك بداية فقط و إن عملي هناك سيحسن
دخلنا و نستطيع الهجرة إلي أمريكا كما كان يحلم و اقتنع و سافرنا إلي هناك .
و بدت حياتي هادئة صافية و لم
أشعر بالغربة في وجود زوجي و الطفلين الصغيرين و حصل زوجي علي وظيفة و خططنا
لحياتنا بحيث تكون عمل ودراسة في النهار و في الليل استمتاع وسهر و في وقت قصير
اشتريت عيادة لي في مصر و مكتب لزوجي و سيارة و أصبح لدينا مبلغ كبير في البنك و
لكن فجأة أنهار كل شيء بسبب سيارة طائشة إطاحة بزوجي و تم كل شيء سريع مبهم و
أصبحت أرملة و أنا في السادسة والثلاثين من عمري.
و تمالكت نفسي ونظرت لمستقبلي
ومستقبل أطفالي و قررت أن أستمر في عملي لمدة سنة أخري أنهي فيها رسالة الدكتوراه
و يحصل أبني علي الابتدائية و أعود لمصر خاصاً أن وضعي المالي ممتاز و لا أحتاج
إلي الاستمرار في الغربة أكثر .
و بدأ العام الدراسي و أقبلت
علي عملي بهمة وصبر و إذا بجهة عملي تطالبني بتحديد موقفي بعد رحيل زوجي عن الحياة
فأما أجد لي محرماً أما إنهاء عقدي وترحيل ، وناقشت طبيبة غير مصرية صديقتي و
زوجها في هذا الموقف مناقشة طويلة ، فانتهينا أنه هو لا حل للموقف إلا البحث عن
رجل شهم وكريم يقبل أن يعقد قرانه عليّ لمجرد الحصول علي وثيقة زواج و تقدمها إلي
جهة عملي دون علاقة زوجية فعلية ، و لم تطل حيرتي في البحث عنه فقد سمع قصتي أحدي
أصدقاء صديقتي و أبدي استعداده لتقديم هذه "الخدمة" ، وقد علمت أنه يشغل
مركز مرقوق قي أحدي المؤسسات الكبرى و يسكن في مدينة تبعد عن 80 كيلو متراً و يعيش وحيداً طول العام إلي أن يأتي الصيف
فتأتي إليه زوجته و أولاده من مصر و تحيرت عنه و جاءتني معلومات عنه مطمئنة للغاية
و التقينا في بيت الزميلة غير المصرية دون أرفع الخمار عن وجهي ، وعلمت أنه مرتبط
جداً بزوجته وحريص عليها لأنها مريضة بمرض لا يؤثر علي علاقتها الخاصة به كما أنه
يحب أولاده جداً ويحرص علي مصلحتهم و لولا رغبته في مساعدة مصرية من بلاده لما
أقدم علي تلك المخاطرة التي ممكن أن تسبب له مشاكل كثيرة إذا علمت زوجته و طلب مني
أن يظل هذا الأمر سراً و شكرته علي هذا ، وتكررت مقابلتنا في بيت هذه الزميلة و
شعرت بارتياح لشخصية هذا الرجل الذي لم يطلب مني حتى رفع الخمار السميك عن وجهي و
أحسست أنه يريد مخلصاً مساعدتي دون أن يفرض نفسه علي ّ و وجدته راجلً هادئاً
وقوراً دمس الأخلاق ..
وتم عقد القران في القنصلية و
تم توثيق العقد وقدمته لجهة عملي و رفعت عن صدري حجراً ثقيلاً ، و تفرغت لدراستي و
أولادي إلا بشكوى أخري لجهة عملي و للجوازات بأن زوجي لا يقيم معي وهذا يخل بشرط
المحرم و تناقشت مع زوجي "المؤقت" و زميلتي و زوجها في ذلك ، فعرض الرجل
مشكوراً أن يؤجر شقة في مدينتي و يأتني علي زيارات لفترات متباعدة و كان حل مكلف
من الناحية المادية ، لكن كيف أبرر زياراته لي لأولادي و زملائي و وجدت أنه لابد
من حلاً شجاعاً و هو حفل صغيرة يحضر زملائي و جيراني لإعلان الخبر لكن أبنائي رتبت
لهم رحلة مع أولاد زميلتي خارج البلاد حتى أمهد لهم الأمر و تمت الحفل و رفعت
الخمار فيها لأول مرة و اضطراب زوجي و راح يختلس النظرات الخفية لجمالي و قد شعرت
براحة لتأثير جمالي عليه ، وفي منتصف الليل انتهت الحفل و هم المدعون بالانصراف
ومعهم زوجي حسب الاتفاق المسبق .
لكنني و بكل شجاعة رفضت و
صررت أن يبقي و يمضي الليل معي لأني أصبحت
من حقه أمام الله و الناس و يجيب أن يمارس حقوقه المشروعة عليّ حتى يصبح الزواج
كاملاً و اقتنع الرجل بعد قليل من الحرج و تمت الخلوة الشرعية بينا و أمضي الليل
في بيتي و إذا بكل شيء ينقلب رأساً علي عقب بعد تلك الليل و نشأت مشكلتي الحالية
التي أكتب عنها الآن :فقد شعرت باقترابي الصاروخي من هذا الرجل التي بدأت علاقتي
به كمجرد وسيلة لحل مشكلتي ،وبدأ هو يأتني كل أربعاء و يغادر صباح السبت إلي عمله
فإذا بي أجد نفسي غارقة في الارتباط بي و رافضة الاستغناء عنه أو أعتبره حل مؤقت
فلقد أحبته ، نعم أحببته يا سيدتي و أحبه أولادي جداً لما يتمتع به من حنان
جارف و استطاع في وقت قصيرة أن ينسينا
مأساتنا بفقد زوجي .
و أصبحت أكثر نشاطاً وسعادة
كمراهقة تحب أبن الجيران و أنجزت ما تبقي لي من الرسالة في شهرين و أرجعها الآن ،
و هو أيضا ارتباط بي و أحبني ويريد الاستمرار معي ومع زوجته و يريد أن يجمع بينا
لأنه يراني جوهرة لا يجيب التفريط فيها لأي سبب و يريد الجمع بينا حين نرجع مصر و
هو أمر سهل عليه رغم أن الحب لا يتجزأ لأنه يعطي كل حبه للزوجة الحاضرة معه في هذه
اللحظة و بذلك لا يتجزأ الحب ولا تناقص لحبه لكل واحده .
و هذا تفسير لحب الأم لأبنائها
في وقت واحد لكن المشكلة تكمن في إقناع زوجته الطيبة المريضة لأنه يعرفها جيداً
ويعرف عصبيتها و يعرف أنها قد تدمر حياتها بلا داعي لأن عزة نفسها فوق كل اعتبار ،
و الآن قد اقتراب موعد عودتي إلي مصر و مجيء زوجته إليه ولم نجد حل بعد ؟
وأريد منكِ ومن كل صاحب رأي أن
يقول حله في مشكلتي ويجاوبني لم ترفض الزوجة المصرية أن يتزوج زوجها من أخري رفضاً
قاطعاً ، إذا كان الله أباح للرجل أن يتزوج أربعة وهو قانون إلهياً لم يتركه الناس
و يتمسكون بكلمة " ولن تعدلوا" ناسين أن هناك راشدين عاقلين عادلين
؟
و إذا سألتني هل تقبلني أن
يتزوج زوجك الحالي من ثالثة ؟ و قبل أن أجاوبك أناشد الناس أن يقلدوا الأوربيين في
سلوكهم الايجابي فقط ، أي الثقة في بعضهم و أعني إذا رأي زوجي أنه يحتاج إلي ثالثة
في ظروف إنسانية ليتزوجها مدام لن يكون عن شهوة أو نزوة عابرة فلن أمانع فالزواج ليس حكراً علي واحدة كما
علمنا الأوربيين وضعفاء النفس منا ؟
فما رأيك ؟
********************
الرد علي كاتبة الرسالة :
نحن لا نقلد الأوربيين يا سيدتي
في نظرتهم لتعدد الزوجات بل نراه هو بديل أخلاقي لتعدد الخليلات الشائعة ، و نسلم
أيضاً بتعدد الزوجات عند الضرورة و بشرط عدم الخداع و الغدر و التخفي عن الزوجة
الأولي حتى لا نهدر حقها !!
إن كنتِ تودين معرفة من نقلده
فهو الرسول الكريم "صلي الله عليه وسلم" فهو اكتفي بالسيدة خديجة كزوجة
منفردة له و هو في عنفوان شبابه رغم انتشر تعدد الزوجات بلا قيود أو روابط في عصره
قبل أن ينظمه الإنسان و هو الذي كره أيضا لأبنته فاطمة أن يتزوج عليه علي بن أبي
طالب ..
و لأنه بشري سوي فلم يخفق قلبه
لأحد من نسائه بعد السيدة خديجة رضي الله عنها إلا للسيدة عائشة وحدها ، فكان يعدل
بين زوجاته في العطاء و المبيت و يستغفر ربه فيما لا حيلة له فيه من عدم العدل في
مشاعره بينهن و يقول "اللهم هذا جهدي فيما أملك ، ولا طاقة لي فيما تملك ولا
أملك " يعني هنا في قلبه و عاطفته و مشاعره ..
هو الإنسان العظيم الذي نحاول
جهادياً أن نقلده يا سيدتي و الذي تتمثل فيه الطبيعة الإنسانية السوية من وحدانية
المشاعر العاطفية و عدم قابلتيها للتجزئة و التفرقة ، و إليكِ دليل ثاني و هي
الآية الكريمة التي تقول "و لن تستطيعوا أن تعدلوا بين النساء و لو حرصتم
" أنها تعني و لن تعدلوا في شهوة القلب و ميل النفس !!
أما إذا كان زوجك قد خرج علينا
بنظرية جديدة في قدرة الإنسان علي أن يحب امرأتين بنفس القدرة في وقت واحد لأنه
يكون منصرفاً بكل حبه إلي الزوجة الحاضرة معه فهذا فتح جديدة في أسرار و خبايا
النفس البشرية و أدعوها لتسجيله في الشهر العقاري باسمه و يناقشوه في الندوات لكن
مع تغير بسيط في نظرية بحيث يقول :
" إن الرجل ينصرف بكل
رغبته إلي الزوجة الحاضرة معه و ليس بكل حبه لأن غاية ما يستطيع أن يفعله في هذه
الحالة هو أن يحب امرأة و يكره الأخرى! و إلا كان الله خلقناً بقلبين في جوفناً ..
و علي أي حال لن أدخل في تفاصيل
دينية أكثر من ذلك لأنني لستٌ في مكانة تؤهلني لأكثر من ذلك ، لكني سأحدثك من
منطلق الإنسانية و المنطلق الاجتماعي ..
و اطمئني لستٌ من محبين هذا
السؤال أبداً لكني سألك غيره ، ماذا أذا كان زوجك الراحل مازال علي قيد الحياة
وتعشين معه في وئام وسلام و أسرة سعيدة صغيرة و جاءت أحدي زميلاتك و عرضت عليكِ
مشكلة شبيه لمشكلتك ، فهل كنتِ تقبلي أن يقدم زوجك والد أبنائك هذه المساعدة التي
قدمها زوجك الحالي ؟ و هل سترحبين بنفس راضية استمرار زوجه من الأخرى بعد أن
اكتشاف كل منهما حبه للأخر و رغبته في الاستمرار معه إلي ما لانهاية لأنه زواجهم
قائم علي مساعدة إنسانية و ليس شهوة عابرة ؟؟
إذا إجابتي بصدق يا سيدتي سوف
توفرين عليا الحديث القادم و لكنني سأقوله و رأيي لن يعجبك !!
أنتِ تعرفين الجواب الصادق يا
سيدتي و تعلمين جيداً أن مأساتنا كبشر هي العدل و الحف لأنها تختلف باختلاف
مواقعنا منهما و باختلاف ما يصبنا من ضرر أو نفع فلو كنتِ أنتِ المتضررة فكان
هاتين الاثنتين هم الظلم والغدر! ولا عجب في ذلك فأن فكل ما يتفق مع رغباتنا يبدو
مقبولاً و حكيماً و ما يناقض رغباتنا هو مجاف للحكمة و العدل و مثير للغضب !!
يا سيدتي الزوجة المصرية لا
ترفض أن يتزوج زوجها ثانية لأنها أنانية أو ضعيفة الأيمان بل أنها إنسانة سوية
لديها بيت واحد بزوج واحد بقلب واحد فكيف يتقسم هذا و بدون ضرورة !!
يجيب أن تقتنعي بأنك ورطتِ نفسك
في مشكلة اجتماعية و عائلية و عاطفية لأنكِ لم تتصرفي التصرف الوحيد السليم ،الذي
كان منتظر منكِ وهو العودة إلي بلدك و تكتفي بما حققتِ و تبدئي حياتك من جديد
وتتزوجي بمن ليس له زوجة أو أبناء بدلاً من تحايلكِ علي القانون !
ولا تقولي كان يجيب عليكِ
الجلوس من أجل رسالة الدكتوراه فكان من الممكن أن تعودي و تكمليها في مصر ثم تعودين
مع أبيكِ أو أحد أخواتك لتناقشيها و ينتهي الأمر ليست بالمشكلة التي ليس لها حل ،
بدل من التحايل علي نظم مجتمع و الوقوع في ورطة مع رجل متزوج و لديه أبناء و لن
تقبل شراكتكِ فيه !
و ا؟لآن قد نسيتِ مبررات زواجك
الصوري وهما الدكتوراه و الابتدائية و صارتِ تخططين للاستمرار في الغربة !!
و رأيي و الحل الذي أمامك هو
العودة لنقطة البداية و تنسحبي من حياة هذا الرجل كما خطتي منذ البداية وتعودي
لبلدك مكرمة مكتفية بما حققتِ في الغربة ، ثم تبدئين حياة جديدة و لن يطول بكِ
الأمر إلا وسوف تجدين رجل آخر تقعين في حبه و ينسيكِ زوجك الحالي كما فعلتي بعد
موت زوجك الراحل بشهور قليلة ..
هذا هو الحب يا سيدتي العطاء و
التضحية لمن نحب و أنتِ تعيبي علي الأخريات أنانيتهن و أنتِ تفعلين مثلهن و تنظرين
من ثقب الإبرة
و الضيق الذي لا ترين منه سوي
رغبتك و أهوائك فقط و مصلحتك في المكوث في الرغبة وجني الثمار !!
كنت علي وشك أن أنصح زوجك بأن
يعترف بخطئه لزوجته و يتحمل عواقبه و لكن أبنائه ما ذنبهم في التشتت؟ ساءلت نفسي
لمصلحة من شقي الأبناء و تسعتهم ؟ و لماذا تشقي تلك الزوجة المسكينة بطعنات الغدر
؟؟
ثم لا شيء يربط بينك وبينه سوي
وثيقة زواج صورية تستطيع بكل بساطة أن تفكيها و عليكِ و عليه تحمل خسائركم الشخصية !
فكلاكما قادر علي هذه التضحية بدليل عودتك للحياة بعد شهور قليلة من موت زوجك و
نظرية زوجك الحالي العجيبة للزوجة الحاضرة و حبه الذي لا يتجزأ !!
لكن هل أنتِ قادرة علي التضحية
من أجل أن تكبدي معاناة أسرة و أبناء ؟ أم أننا لا نحب أن نتحدث عن الضحية إلا إذا
كانت مطلوبة فقط من غيرنا ؟؟؟
**********************
ســـارة يحيي محمد