قالتها لطيفة الزيات
في روايتها " الباب المفتوح " أن السعادة ليست مربوطة بشخص .. أنكِ يجيب
أن تستمدي سعادتك ، ثقتك ، حريتك ، من نفسك لا من أحد "
أخبرتنا أيضاً "
أن المرأة تشاطر الرجل في هذا المجتمع ولا
تقل عنه أهمية .. و أن الأنثى لا تحب بصدق إلا عندما تأخذ حريتها كاملة " .
ليلي الفتاة التي تتحول أمامنا من الطفولة للمراهقة
للشباب ، كانت تحب أبن خالتها عصام ضعيف الشخصية المنصات وراء أمه و ضعفه و عاداته
القديمة و تصرفاته المربية حتى طعنها مع
الشغالة !
و تحب أخاها محمود
المثقف الثوري القوي ، و أحبت صديقه حسين
الذي فتح أمامها باب حريتها و أصر أن تمشيها بمفردها ، لكنها تعثرت بدكتور الجامعة
رمزي المعقد الذي يظن أن دخول حبيبته شقته يعني أنها مذنبة حقير مخطئة لكنها تغلبت
عليه لتصل إلي حسين .. حسين الذي فتح أمامها الباب و جعلها ذات كيان مستقل يكمله
هو بكيانه .
تلك القصة هي رائدة
القصص الواقعية المصرية ، الأول التي تخلت عن بهرجة الخيال و زيادته عن الحد ، وصفت
الفتاة و العادات فيوقتها كما هي ، أظهرت بواطنها دون تصانع لزيادة السوء .
ليلي الفتاة ذات
الجمال المصري الذي يملكه الجميع ، التي تريد أن تثور و تتحرر لكن قيود العائلة و
المتجمع تضع أمامها ألف حاجز لأنها فتاة !
أما محمود الأخ
الثوري الذي يؤمن بالحرية لكل فتيات العالم إلا شقيقاته ، فمن أكثر الجمل التي
أعجبتني كانت من عصام الضعيف المنطقي حين
قال :
" البنت ضروري تحب وتتجوز على حب، كل بنت، أي بنت، بس مش أختي ولا أختك..أخوات الناس التانيين ..مش كده؟"
" البنت ضروري تحب وتتجوز على حب، كل بنت، أي بنت، بس مش أختي ولا أختك..أخوات الناس التانيين ..مش كده؟"
يبدو أن تلك النوعية
كانت موجودة منذ زمن ، نوعية أن الحرية تقتصر علي الفتيات الآخرين فقط لكن شقيقته
لا ، أنها تختلف ليس من حقها أن تحب أو تثور أو أن يبقي لها رأيها الخاصة ..
الحرية للآخرين فقط !
في رأيي أننا لم نأخذ
حريتنا بعد .. لم نتساوى بالراجل بالشكل الصحيح بعد .. نحن نوهم أنفسنا فقط
بالتساوي .. فأبسط الأمور لا نستطيع فعلها أو _ الأغلبية _ لا تستطيع فعلتها .
حين تودين السفر إلي
أي مكان لا تستطيع بمفردك .. لأنكِ بنت !
لا تستطيع التأخر عند
العاشرة أو علي أقصي تقدير الثانية عشر .. لأنكِ بنت
- مع العلم أن جميع
ما يمكن عمله يبدأ من السابعة " سينما ، مسرح ، ندوة أو حفلة غنائية ، الجلوس
مع الأصدقاء " .. وإن خرجتِ في هذا الوقت يجيب أن تعودي قبل
العاشرة مع التعامل الموصلات .. لأنكِ فتاة .
لا تستطيع السير في
الشارع دون سمع التعليقات علي ما ترديه و تفعليه – و مؤخراً التحرش باعتبار أنكِ
"فاترينة " يمكن لأي شخص الوقوف أمامها و التدقيق فيها و للبعض اللمس
ليتأكدوا من الجودة .. لأنكِ بنت .
و لا تسلمي من
الهمسات و الأسئلة حين تخرجِ مع راجل أمام الجميع بغض النظر عن أنه يمكن أن يكون
شقيقكِ أو أحد أقاربك أو لديك عمل معه أو صديقك حتى –و هذا لأن المجتمع لا يعترف
بصداقة الجنسين معاً إلا سراً ، منذ زمن و السيدان تحادث الرجال و تخرج معهم لكن
سراً و طالما بقيت سراً إذا ليست بها شيء لكن من يفعلها علناً يكون مجنون _ و مش
متربي ولا عنده أخلاق و أكيد لازم في بينهم حاجة وحشه _ و هذا لأنه فعلها أمامهم ،
نحن مجتمع يبيح لأي فتاة فعل أي شيء سراً بداية من التدخين داخل الحمام حتى ذهابها
لمنزل أحدهم لكن يمنعها من فعل أي شيء علناً.. فأنتِ لا تستطيع فعل الأشياء إلا
سراً .. لأنكِ بنت
لأنكِ بنت .. مصطلح
يتم تكرره كثيراً و كأنه بطاقة مرور لجميع المواقف الواهية دون تفكير أو جهد في
البحث عن سبب أخر .. و هذا عين الجهل !
محمود كحال كثير جداً
من الرجال .. يقف في المنتصف ولا يستطيع أن يعبر .. لا هو ينكر حقوق المرأة ولا هو
يعترف بها .
أما عصام فهو ضعيف
الشخصية تتحكم فيه والدته و غرائزه فقط .. أختار الأسهل و الأقذر ليضحي بالأعمق و
الأصعب كحال الكثير أيضاً .. لا يريد أن يضحى بشيء فيضحي بكل شيء ليكسب ولا شيء .
جميلة شقيقته ضحية
والدتها التي تفكر في كل شيء بقيمته المالية .. المال ثم المال الأمان و الراحة و
الاستقرار .. لكن لا يستطيع الإنسان الحصول علي كل شيء فهي أخذت لأبنتها المال
لكنها أفقدتها نفسها و كرامتها و احترامها .
ما لافت انتباهي هو
علمها بخيانة ابنتها مع ذلك لا يهم ، الأهم أنه سراً .. نحن مجتمع نعشق العيش بين الأشياء
السرية حتى لا يعلم بها الآخر ؟ ! بالتأكيد هو مرض !
جميلة ليست مذنبة هي
ضحية لأم مذنبة .. و لهذا يجيب أن
نعترف أن الأغلبية تستطيع أن تنجب لكن الأقلية تستطيع أن تربي.
دكتور رمزي .. المثقف
الجاهل صاحب النظرية الأكثر شيوعاً .. إن الفتاة التي تحبني لا تصلح للزواج .. إذا
لماذا تلهث ورائها حتى تتعرف إليها و من ثم تلهث ثانياً لتجعلها تحبك و من ثم تلهث
ثالثاً لتقنعها بأن تطمئن لك و تلهث رابعاً لتجعلها تقع في شراك أعددته أنت و حين
تنهض من فوقها تقول ليست تصلح للزواج فقد أسلمت نفسها ! .. في الواقع أنت الذي لا
تصلح للزواج لأنك كالكلب الذي يلهث من أجل أن يرمي أحداً له عظمة فيأخذها و يأكلها
ثم ينظر لها علي ليست كافية فيتركها علي
أمل العثور علي شيء أكبر فيلهث مجدداً ليحصل علي نفس العظمة ، أنما هي مخطئة في
استسلامها لك ، مخطئة في أنها لم تفهم
عقمك العقلي في أنها لم تصون نفسها سواء
في عقلها أو جسدها و غلا فما فائدة عذرية الجسد و العقل عاهر !
أم ليلي - اللي يمشي
علي الأصول ميتعبش - .. لا أنه يتعب و يفقد حقه في الحياة و يفقد إنسانيته ..
الأصول من اختراعها إنسان ليس أفضل منا ليجعلنا نمشي علي ما قال .. من الأفضل أن
نمشي علي ديننا ليس علي أصولنا .. أنكِ التجسيد السيئ للأمومة و التربية !
أبو ليلي .. ابنتك
ليس عارً .. ليست شيء حرام لتحزن له حين
يكبر .. ابنتك من خلقة من خلقك .. لقد كرمها ربك فيكف تهينها أنت .. أنت المثال
الحي للجاهلية حتى كانوا يدفنون بناتهم أحياء
.. في الواقع أنت مثال سيء جداً
للإباء و في الحقيقة يجيب أن يتم دفن من هم مثلك .
أننا في عصر الجاهلية
الحديثة ...
صديقات ليلي ..
عنايات أشعرتني بأنها تهاجم جنسها و لا تريد له الحرية .. يوجد مثلها و الرد
الأنسب لهم " أخرسي عشان هي مش ناقصكِ " .
حسين .. الرجل كما
ينبغي أن تكون الرجولة .. أحببت ثقتك في ليلي
قبل نفسك .. أحببت خطاباتك وتشجيعك لها .. تركها لأن تسير في الطريق الذي
تريده حتى و إن كانت نهايته غيرك .. تركها لأنك واثق أن كل الطرق لن تؤدي إلا لك
.. أحببت فيك احترامك للمرأة و اعترافك الكامل بأنها تشاطرك نفس المجتمع .. بأن
لها كيان لا يجيب أن تفنيه فيك بل لكل
منكما كيان يكمل الأخر به .. كما خلقنا الله
حسين .. هو الحلم الذي يكاد أن يصبح سراباً في تلك الأيام .
حسين .. هو الحلم الذي يكاد أن يصبح سراباً في تلك الأيام .
لطيفة الزيات كتبت عن
ازدواجية مجتمع
عن العادات و
التقاليد التي تهمنا أكثر من ديننا
عن كيفية البراعة في
إخراج طفل معقد جاهل للمجتمع !
عن الوطنية و الحرية
و الثقافة المزعومين
الغريب في الأمر أن
تلك الرواية كتبت سنة 1960 أي من 54 عاماً
و مازال الوضع كما هو عليه .. مازلت تلك الشخصيات في المجتمع و مازال المجتمع بنفس
أمرضهم لكن بتطور .
المتجمع الذي يسير
بمبدأ " هذا ما وجدنا عليه أبائنا " دون أن يفكر في جدوى تلك العادات أو
صحتها حتى لا ينبذ أو يخرج عن القطيع الكبير .
مجتمع يخشي أناسه أن
يخرجوا عن قطيع الحيوانات !
الرواية تحدثت عن بنت
مثلنا .. لا شخصية خارقة ولا أحداث خارقة .. تطور طبيعي و حياة عادية .. لمست كل
شيء داخل الواقع المصري .
جاءت لطيفة الزيات
لتخبرنا بواقع الحياة في الستينيات .. لنكتشف نحن أن الوضع لم يختلف كثيراً فقط
تطور .
المجتمع مازال في طور
العادات .. الناس .. المرأة عار و شيئاً
يحمل الهم ليس له حق الحرية .. زيادة النفاق و انعدام الوطنية الحقيقة – كله كلام –
زياد الخسة .. زيادة شخصيات عصام و رمزي كثيراً .. قلة من شخصية محمود و ندرة من
شخصية حسين .. مازلنا لا نتعلم مما سبق و مما كتب .
الفيلم لا يقل روعة
عن الرواية .. الفيلم هو تجسيد حي للرواية .. كل شخصية بمكانها و كل جملة كما قيلت
.. شكراً هنري بركات لتلك السينما الراقية
.. السينما الراقية هي خير ما يبرز الأدب الراقي ..
لم أتخيل ليلي ألا
فاتك حمامة .. و حسين ألا صالح سليم .
لطيفة الزيات .. أنت
مثال حي للمرأة الناجحة العاقلة التي تفكر و تحب .. شكراً لما تثيريه بأفكارك
الجميلة العميقة داخل الإنسان .
شكراً لطيفة الزيات و
هنري بركات أنكما أخبرتم كل من قرأت
الرواية أو شاهدت الفيلم :
أن الإنسان لا يكون
سعيد إلا عندما يكون نفسه ، و لن يكون نفسه إلا حين يجعل هدفه الأكبر هو الوصول
للباب المفتوح ، و لكي يصل يجيب أن يخرج
من دائرته الصغيرة و يسير وحده في الطريق ليتحرر من سجن الخوف و الجهل و في
نهاية الطريق سيجد الباب المفتوح " .
من أروع الروايات ومن اجمل الافلام في السينما المصرية
ردحذفبحبه جدا جدا جدا
وسعيدة انك كتبت عنه ، عامة انا مريت من هنا علشان اقولك اني انبسطت كثير برفقتكم في الحوليات واعذريني لو قصرت في زيارة مدونتك بسبب مشاغل الحياة وضغط الكتابة
فرمضان كريم وكل حول تدويني وأنت بخير