الاثنين، 12 أغسطس 2013

حذراي من الحب "نوفيلا " 1




نوفيلا

حذارى مــن الـحــب 


دراما رومـانسـيـةاجـتـمـاعيـة





"حذروني من أن أحب ، من الهوى و الغرق في بحور العشق

أخبروني كم خافت شهرزاد،و كيف ماتت جوليت من هوي روميو

و كم قستّ ليلي من حب قيس ، و كم تعذبت عبلة في حب عنترة

أخبروني قواعد الهوى من العشقّ حتى العذاب

و ليتني سمعت حديثهم

ولم أرتدّ بحور العشق بغير طوق النجاة !"







***********************



وضعت كلتا يدها علي آذنها عل يبتعد عنها صوت الصراخ و الصيحات عله يفهم أنه ضيف غير مرغوب به هنا فيرحل في خجل ولا يعود ولكن هيهات فالصوت ضيف لا يستأذن و الصراخ و الصيحات أحد عمدان بعض المناطق كالمنطقة التي تقطن فيها هي ، أنزلت القلم بعصيبة علي المكتب ونهضت من خلفه بخطوط سريعة إلي الشرفة الوحيدة في غرفتها و خرجت تقف علي حافتها تنظر إلي الشارع من فوق الطابق العاشر فظهر و كأنه ساحة مكعبات مقلوبة رأساً علي عقب ليس فيها أي شيء مرتب و تتميز باتساخ حوافها و منتصفها و تتعالي أصوات لاعبيها حد تتمني معه الصم ،هكذا هي أحوال الأحياء الشعبية دائماً عج بالصراخ و القذارة التي لا مبرر لها هكذا هتفت نهلة داخل رأسها المحمل بالأسئلة و انتفضت لنفسها و هي تنظر إلي البحر الذي يقع جانب بنايتها العالية و لم تنتهي نظرتها الثانية إلا و كانت قد أغلقت الشرفة عل الأصوات تبتعد قليلاً ، تنهدت ببطيء و اتجهت مرة آخري إلي مكتبها و حاولت مجدداً أن تنهي بحثها و فجأة تعالت الأصوات مرة آخري لكن من الداخل وضعت القلم مجدداً ونهضت بعصبية إلي البهو لتجد والدتها جالسة علي أحدي المقاعد تشاهد التلفاز بصوت مرتفع جداً :

"ماما التليفزيون عالي أوي و أنا مش عارفه أركز كفاية أصلاً الأصوات اللي بره "

نظرت لها والدتها من خلف منظارها الطبي ثم عودت النظر إلي التلفاز مجدداً :

"موال كل يوم ده يا نهلة يعني اللي في الدور الأول ساكنين أزاي "

وضعت يدها في جيب بنطالها الرصاصي و استندت علي حرف باب غرفتها قائلة:

"بس اللي في الدور الأول مش عندهم حد في ثالثة جامعة و لا عندهم حد محتاج الهدوء والراحة والتركيز يا ماما "

" أخرك البيت و الجواز يا نهلة "

"ماما لازم تفهمي إن التعليم مهم ده اللي ها يخلني ليا قيمة ، ها يخلني قادرة أستوعب كل اللي بيحصل ، صدقيني ماما التعليم مهم "

"بلاش كلام الأفلام ده و أدخلي أوضتك بقي عشان مش ناقصة وجع دماغ "

هزت نهلة رأسها في يائس و دخلت غرفتها و أغلقت الباب ورائها في قوة غاضبة ...

*****

دلفت من الحمام إلي المطبخ أحضرت طبقان من الجيلي الذي أعددته اليوم ثم غادرت شقتها إلي شقة جارتها في الطابق الذي يليها ، فتحت لها جارتها البشوشة فهزت رأسها بابتسام و سارت في هدوء إلي الداخل وضعت طبقين الجيلي علي المنضدة الصغيرة التي تتوسط الأريكة و التلفاز و جلست قائلة :

"ده بقي جيلي ها تأكلي صوابعك أنتي و الدكتور ورائه"

أغلقت الباب و اتجهت إليها ببطيء  :

" و الله يا ليلي ده كثير أوي علينا "

"كثير أيه بس يا نادية ده لو مكنش أنتي كان زماني طاقت من الوحدة  "

هزت نادية رأسها في آسي :

"أنتي اللي رافضتي تتجوزي بعد المرحوم و كمان فضلتي تعقدي لوحدك هنا "

أرجعت ليلي رأسها للوراء و تنهدت بقهر قائلة:

" عمره ما كان ها ينفع بعد ما سبت الدوشة و المشاكل والشارع اللي علي طول في حالة قرف و أعيش هنا في الهدوء و النظافة و أرجع له ثاني .. حتى الجواز بقي حاجة مستحيلة بالنسبة ليا"

لمست كتفيها برفق قائلة :

"عندك حق كده أحسن مائة مرة و بيني و بينك كبرنا علي الجواز و الأهم أننا كده مرتاحين جداً "

ابتسمت ليلي برفق و أردفت:

"قوليلي بقي فين الدكتور ولا هو لسه في المستشفي "

"آه ... ياريت يفضل هناك علي طول"

اعتدلت ليلي في جلستها قائلة :

"حرام عليكي يا نادية ده أبنك "

أكفر وجه نادية و أردفت كأنها لم تسمع ليلي:

" كل يوم يخلص شغل يرجع البيت يأكل و ينزل يخرج مع كأم بنت ، ده غير المشاكل والمواقف اللي بيحطني فيها دول نص سكان العمارة مني عينهم نمشي بسبب معاكساته و وعوده للبنات بالجواز ويرجع يقولي لا يا ماما .. خلي في شغله يمكن يرحمني من قلت عقله دي"

أجابتها ليلي بهدوء:

" ما تخطبي له عقبال ما يكون نفسه و أهو واحدة تبقي معه"

"علي أيدك يا ليلي حاولت و أسبوعين و سبها و من يومها حرمت لازم المرة دي يكون متأكد أنه مش ها يسبها"

"خلاص هدي روحك و معتز ده أنا ها أقعد معه و أتكلم معه تأني عشان يهدي كده "

" يأرب يهدي بقي و يريح قلبي عليه"

"أمين يأرب"

و أدارت كل منهما وجهها للتفاز الذي يبدأ بعرض مسلسلهم المفضل الذي يعود بهما إلي الماضي ، وراحت كل منهما تتابعه في شغف يقطعه تعليقاتهم كل عدده دقائق ..

*******

ابتسم كل منهما للآخر دون أن يلاحظ ثالثهما و تلاقت أعينهم لثوان ففهم كل منهما علي الآخر ، و استدار الشاب الجالس علي المكتب ليلتقط دفتر صغير و قلم ثم نهض متجه إلي السيدة الجالسة أمام الآخر علي فراش الكشف ،و تتنحنح لينبهوا له :

" أحم .. الحقيقة يا مدام دليا حضرتك عندك مشكلة في الجواز "

تنبهت السيدة الجالسة و أدرت عينها إلي الآخر قائلة بجزع :

"يعني أيه يا دكتور معتز "

حاول معتز أن يخفي ابتسامته قدر الإمكان و أردف بلا مبالاة مقصودة :

"يعني يا مدام ممكن مش تقدري تتجوزي تأني ، لأن بعد الإجهاض حصل مشاكل في الرحم و خلافه لأنها مش أول مرة تجهضي "

صرخت فيه بصوت مرتفع قليلاً:

"أيه اللي بتقوله ده ؟ .. معني أيه يعني"

"معني أنك ممكن تبقي رجل مثلاً"

و أنطلق الضحكات من فم معتز علي كلمات صديقه الطبيب عمرو الذي ابتعد عن دليا خطوط بسيطة و رسم بإتقان ملامح اللأمبالاة ، بينما نظرت لهم دليا بسخط و كأنها ستفتك بهم في أي لحظة فأردف معتز بسرعة :

"يعني يا مدام دليا الأفضل تروحي لدكتورة ريم أستاذة أمراض النساء"

لم ينسب حرف بين شفتيها بل آخذت حقيبتها و انطلقت إلي الخارج بعد أن رمقت عمرو بنظرات غريبة ، وبمجرد خروجها أنفجر عمرو و معتز  ضحكاً حتى كاد كل من  بالمشفي يسمعهم ..

"يخرب بيتك يا عمرو علي اللي عملته فيها "

انتفض عمرو من مكانه و راح يجلس علي المقعد أمام المكتب :

"تستأهل أكثر والله علي اللي بتعمله ده "

تابعه معتز و جلس أمامه مبسط يديه:

" يا أبني ده سيدة أعمال مشهورة و بتحبك و كل يوم تجي هنا عشانك ، حد عاقل يرفض حاجة زى دي"

" سبتلك أنت العقل و الفضائح يا عاقل"

" أعمل أيه مع البنات دي هي بتجي لحد عندي أقولهم لا "

" لا و ده ينفع بردوه "

"أنا عارف"

فجأة أطرق إلي آذنهم صوت خطوات من الممر و ثوان و ظهرت لبني الممرضة الحسناء التي تعشق دكتور عمرو "وسيم المشفي" كما يلقبٌنه هناك ، فعمرو يتمتع ببشرة قمحاوية فاتحة و أعيون عسلية صافية كلون العسل الخام و شعر بني لامع و خفة ظل و طريقة حديث تجذب من الجملة الأولي ، ورغم ذلك لم يلتفت لحسناوات المشفي الذي يحولون فهن في نظره رخيصات حد عدم صلاحيتهم للشراء كالممرضة لبني حسناء المشفي التي يتمنها الجميع و هي تتمني دكتور عمرو الوسيم الغني ، و دلفت هي إلي الغرف في دلال طار معه عقل معتز بينما جلس عمرو ثابت فأردفت في رقة بالغة :

" أوضة الكشف جهزت يا دكتور و حالات كثير موجودة "

أجابها عمرو و هو يلتقط دفتر كبير أسود:

"طيب روحي و أنا خمس دقائق و ها أحصلك "

ملت بجزعها علي المقعد قليلاً و قالت في صوت أقرب للهمس:

"تحب أستنك يا دكتور"

لم يعيرها أنتبه مطلقاً و أردف بهدوء:

"لا روحي و أنا ها أحصلك"

أحمر وجهها و نفخت بقوة و أدرت ظهرها لهما و غادرت الغرفة بينما أردف معتز:

" و اللي أنت ها تجنني "

لم يجيب عمرو بل أكتف بابتسامة و أشار له برأسه و غادر إلي غرفة الفحص ..

كانت المشفي تعج بالناس و خصوصاً و قد حان موعود الزيارة ، و في أحدي الغرفة كان يجلس رجل و امرأة علي المقعد بجانب فراش رجل   

في عقده الخامس بالكاد يتحدث قائلاً :

"المهم تروح لمصطفي و تديله الفلوس و العقود أنا خلاص كده حسن الختام ولازم أرجع للرجل ده حقه "

أكفرت السيدة الجالسة أمامه و قالت بغضب:

"يا عبد المقصود ها تديله الفلوس و العقود كمان ، ما كفاية عليه العقود و الفلوس خليها لبناتنا"

سعل الرجل بوهن ثم قال:

"ده حقه اللي كان لازم يأخذه من زمان أنا .. أنا ظلمته كثير و دى النتيجة بقيت لوحدي من غير أخواتي و بناتنا عندهم اللي يكفيهم و زيادة أوي أنما أخوي أحنا ظلمنا كثير أنا وفاتن أختي"

أشاحت بيدها في وجه قائلة :

"ما هي أمك اللي قالتلك خلي كل حاجة معك و لما يكون عايز أديله عشان أخوك مصرف"

سعل بقوة هذه المرة و أردف بضعف:

" كان لازم أفكر أنه محتاج أكثر واحد فينا بعد ما كلنا ظلمنا و بلاش نتكلم في اللي فات بيوجع ،  كح .. كح .. كخخ ، كانت لازم أعمل حساب يوم ممكن أموت فيه من غير أخواتي يوم زى ده  "

أدرت وجهها و هي تمتم بكلمات ساخطة عليه ، بينما استطرد الرجل الثاني قائلاً :

"يعني أروح العنوان ده و أسال علي شقة مصطفي عبد لله "

"آه .. و خلي بالك في أثنين أسمهم كده في العمارة فأبقي قول للبواب أبو نهلة"

هز الرجل رأسه و تمتم بكلمات و أنصرف بينما دخلت لبني و هي تجر عربة صغيرة ، اقتربت منه و أعطته دواء ثم غرزت له محقن في المحلول ..

"هو ها ينام"

أخرجت لبني المحقن ووضعته في العربة و استدارت خارجة:

"آه يا مدام دقائق و ها ينام "

تنفست ابتسام الصعداء و تممت بسخط عليه منتظرة غفوته حتى ترحل ، بينما غادرت لبني الحجرة عائدة لدكتور عمرو لكن استوقفتها سماح بوقوفها أمام العربة قائلة وهي تلوك اللبان في فمها :

" علي فين يا لبني دكتورة كريمة عايزكي في العظام فوق "

" أنا مع دكتور عمرو يا سماح "

ابتسمت سماح بسخرية قائلة:

" كل مع دكتور عمرو كده ، هي أيه الحكاية "

"بحبه يا بت يا بحبه أوي وهو ولا حاسس .. المهم عايزكي في خدمة"

"خير"

"روحي حطتني شفت نايت بكره بدل هالة "

ضحكت سماح بهدوء:

"آه ما الدكتور الوسيم عنده نايت بروده , بس ماشي أهي هالة بردوه تروح لأولادها "

ابتعدت سماح من أمامها و سارت لبني بالعربة ببطيء و هي تقول :

"ربنا يخليكي ليا يا سماح "

و ابتسمت في خبث و هي تطلق تنهيدة حارة ...

************

كانت الشمس تتوسط السماء و الساعة تتجاوز الثانية بقليل و هي تسير في دلال هادئ و ملامحها مبتسمة تحمل كتبها بين يدها و تتهادي في خطها شاعرة بسعادة لحصولها علي رواية "في بيتنا رجل" لإحسان عبد القدوس في نسخة ورقية جديدة كم تود قرأتها و هروبها دخلها من كل شيء يحدث حولها، احتضنتها برقة ، و أكملت سيرها و هي تستنشق الهواء النقي وتزيح حجابها من علي وجهها بين حين و آخر و حين وصلت إلي شارعها وقفت غيمة حزن  علي رأسها و هي تقارن بين باقي الشوارع و شارعها المتسخ و أهمل الناس له حتى صار جزء من الأحياء الشعبية مع أنه يطل علي البحر و حوله شوارع أكثر نظافة لكن الناس لم يتركه مثلهم و كأنهم يحزنون إذا جلسوا في وسط هدوء و نظافة ، تنهدت و هي تهز رأسها بيأس و اتجهت صوب بنايتها التي تحتاج فقط للاهتمام كالشارع حتى يصبحوا في أوجه حالاتهم كصور الشارع القديمة ! .

صعدت عدده درجات بينما استوقفه أحدهما قائلاً :

"متعرفيش يا بنتي شقة أستاذ مصطفي أبو نهلة ؟" 



يــتـبـع ... 



هناك تعليق واحد: