جلست ليلي مع معتز تحادثه لأكثر
من ساعة عن كثرة علاقاته و تسليته مع أي فتاة تمر أمامه ، أنه ذلك الحديث المعروف
والذي غالباً لا يجدي نفعاً مع مستمعيه فهم غالباً فارسان جامحين لم يعثروا علي
الأميرة التي تستطع كبح جماحهم و تغنيهم عن كل نساء العالم .
أنها وجهة نظر رجولية بحتة تصف
ما يشعرون به داخل أنفسهم فليس كل من بفعل ذلك منحلاً أخلاقياً هم فقط يحتاجون إلي
امرأة تغنيهم عن نساء العالم ترشدهم إلي
الطريق السليم و بعضهم يفعل ذلك لمجرد
أهانت المرأة كطيور الجارحة التي تنشر
جرحها في كل مكان عله يهدأ لكنه دوماً يزيد من جراحه و آخرين يفعلون ذلك تحت بندة
المصلحة فلا أحد يفعل ذلك لمجرد الانحلال فقط بل وراء كل منهما سبب أدي إلي تلك
النتيجة و هذا السبب يكمن داخلهم يخفونه حتى عن أنفسهم لا يتطرقون إليه يخشونه
مواجهته لذلك ينتظرون الشخص الذي سيفتش داخلهم ليجده و كل هذه الأسباب مترابطة
بالبعد عن الله و قلت الإيمان التي تجعلهم معرضين للأخطاء بسرعة ..
كذلك معتز يفعل ذلك لسبب لا
يعلم سوا الله سبب يحفظه بين طيات عقله و ينتظر من يقرأه ، لذلك أخذ يتملص من
إجابات أسئلة ليلي تارة يشرد وتارة يمزح و تارة يقول كلام لا معني له فتنهدت ليلي
بتعب :
" مش عايز تريحيني ليه بس
يا معتز "
" عشان ما فيش حاجة يا
ليلي ، كل واحدة بتخرج معايا بتخرج بمزاجها لا بغصبها ولا بجبرها "
" مش مبرر أنك تلعب ببنات
الناس يا معتز "
" أنا مش برر عشان مش بلعب
بأي بنت و عمري ما قولت لواحدة فيهم أني ها أخطبها"
" ولا في فائدة فيك .. بس
عشان خاطري يا معتز بلاش اللعب ببنات الناس "
"حاضر يا لولوه يا جميلة
أنتي "
أرجع رأسه إلي الوراء و هي يزفر
ثم عاد و كأنه تذكر شيء :
"أمال القمر اللي فاتحلي
الباب ده يبقي مين"
مدت يدها علي كتفة في ضربة
مصطنعة و قالت :
"بس يا واد أنت ملكش دعوي
بها "
" أنا عايز أعرف بس ، دي
بنتك خلفتيها أمبارح يعني وعاملنا مفاجأة "
ضحكت ليلي و نكزته قائلة :
" دي نهلة بنت بنت أختي
يعني بنتي يعني ملكش دعوة بها"
" أنا كان قصدي بس أعرفها
المنطقة و كده"
هزت ليلي رأسها و هي تدعي له
بالهادية التامة ...
**************
في صباح اليوم استيقظت نهلة في نشاط جلست نصف جلسة علي
السرير تتطلع إلي أركان الغرفة حولها و حينما وقعت عينيها علي الشرفة نهضت من
فراشها واتجهت إليها فتحتها ووقفت تستنشق نسمات الهواء الصباحية النقية و تنظر
بإعجاب للشارع الهادئ النعاس في حضن الشجر
و فجأة هبط علي مسماعها صوت ضحكة :
" أنا شايف أيد تحت .. صبــاح الخير يا نهلة"
ابتعدت نهلة تلقائياً عن سور الشرفة و رددت بهمس :"
الله يخر بيتك عرفت أسمي منين" ، زفرت بضيق و دلفت إلي الحجرة التقطت منشفة و
خرجت إلي الحمام ، كان نظيف واسع يدخله نور الصباح فيبدو لامعاً أغلقت الباب خلفها
و دقائق وخرجت مبلل الشعر والجسد فاستقبلتها ليلي بابتسامة حنونة:
"صباح الخير"
" صباح النور ، أنا نمت كأني مش نايمة من سنة
"
" كويس أنك عرفتي تنامي ، ها رايحة كليتك ولا
أيه"
" آه ها أدخل ألبس و أروح و ها أرجع علي ثلاثة كده
"
" طيب أدخلي عقبال ما أحضرلك حاجة تأكليها
بسرعة"
ابتسمت لها و دلفت غرفتها بدلت ثيابها لبنطال جينز و
ستره قطنية بيضاء و أحكمت و ضع حجابها
البسيط الأزرق و التقطت حقيبتا و الكتب و خرجت ، تناولت شيئاً سريعاً وودعت ليلي و
انطلقت تغدو بسعادة ..
*******
دلف إلي المشفي و هو يحمل سترته خلف ظهره و نظارته
الشمسية مازلت تغطي عينيه و ذقنه غير حليقة و شعره في حالة فوضه جذابة لذلك كان
محاطً بشهقات الممرضات و نظرات الطبيات الحالمة المختفية خلف اللامبالاة و سار هو
غير عابئ بكل هذا فكل الذي كان يشغله هو قدوم عمه و ابنته من الخارج و حديث والدته
عن ضرورة عودته إليهم بعروسة و إلا سيضع كل شيء خطط و حافظ عليه والده رحمه الله
منذ دهور .
كان وصل إلي مكتبه فألقي سترته علي الأريكة و اتجه ليجلس
خلف مكتبه فخلع نظارته و فتح الستار من خلفه فتسرب شعاع الشمس إلي الغرفة فأضاءها
فأرجع رأسه إلي الخلف وضعاً كلتا يده أسفلها و أغمض عينيه وهو يلتفت بمقعدِه
لليمين قليلاً ، و تنهدت بضيق فهو لم يعرف قط من تصلح لتكون زوجة له أما عن الحب
فهو مشروع خارج نطاق تفكيره لهذا قد وقع في مأزق لا يدري كيف الخالص منه .
" صباح السرحان يا دكتور"
تهاوت إلي مسامعه ذلك الصوت الساخر اللاذع ففتح عينيه و
استدار برأسه ليجد معتز يقف عند باب الغرفة مكتفاً يده أمامه و علي شفتيه ابتسامة
ساخرة نوعاً ما فنظر له بنصف عيني و عاد لوضعه الأول فتنحنح الآخر قائلاً :
" لا ده موضوع كبير أوي "
قال عمرو من بين شفتيه و هو مغلق العينين دون أن يدير
رأسه :
" أوي "
دلف معتز الغرفة وجلس علي الأريكة في استرخاء قائلاً :
" خير يا أبني "
" الحاجة عايزه تجوزني بسرعة "
قهقه معتز قائلاً :
" ها تتجوزي يا بيضة خلاص"
"معتز مش ناقصة هزارك و النبي و استخفافك بالأمور
ده "
خف من ضحكه و استدار له:
" طيب أيه اللي فتح موضوع جوازك ده "
قال عمرو بنفس وضعيته:
"يعني حاجات خاصة بالعائلة و عادات الصعيد هناك
"
" وناوي تعمل أيه ؟ .. ما تتجوز دليا"
لوي عمرو شفتيه و استطراد:
"دليا .. أنا من الصعيد يا أبني يعني دليا بالنسبة
لهم عار "
ضحك معتز بصوت مرتفع و نهض وضعاً يده في جيب بنطاله :
" لا بجد تبقي مسخرة هناك ، المهم مش قائمة العيادة
بينادوا عليك "
"خد مكاني يا معتز ساعة و أنا ها أفوق و أجيلك علي
طول"
" في بيتها يا دكتور "
قالها و غادر إلي قسم الكشف بالأسفل بينما ظل عمرو علي
وضعه في حالة شرود طال أكثر الأماكن ظلمة في ذاكرته، أنه ذلك المكان الذي يغلفه
بمئات الطبقات العازلة حتى لا يخرج منه أي ذكري أو همسة حدثت أو زفرة ألم أو حديث دامي لكن في لحظات الشروط مع النفس
و التفكير في أمر تتفرغ كل الطبقات العازلة و يصل إلي العقل إلي ذلك الركن المظلم كما
فعل عقل عمرو ووصل إليه و كأنه يربط كل شيء بقرار زواجه هذا ...
********
كانت تتهادي في السير مع صديقتها بسعادة لم تعاهدها هي
لنفسها كانت تسرد كل شيء حدث في بساطة كأنه تتحرر من كل شيء و تستمع لها شيماء
صديقتها المقربة بسعادة و حين أفرغت كل ما حدث رطبت شيماء علي كتفها قائلة:
" أنا فرحانة عشانك جداً ، أول مرة أشوف مرحة و
مقبلة علي الحياة كده "أنا كمان فرحانة جداً ، ومن انهارده بقي لازم نخرج و
نتفسح و نشوف إسكندرية كلها"
"أيوه كده بقي يا نونا ، أنا ها أعدي عليك ستة
العصر كده نخرج "
"ماشي يالا نركب الأتوبيس سوا و لأول مرة "
"يالا "
سارت كلتهما في اتجاه الأتوبيس و جلست كل منهم بجانب الأخرى
يتسامرون بمرح و كانت أول النازلين نهلة بعد أن ودعت صديقتيها و أكدت الميعاد بينهما
.
وقفت في أول الشارع تري المكتبة المتوسط الحجم ثم دلفت
إليها أحضرت عدده كتب و سارت في اتجاه البانية ، دلفت إلي الداخل ووقفت أمام
المصعد و ضغطت زر استدعائه ..
" أزيك يا نهلة؟"
وصل إلي مسمعها ذلك الصوت الرجولي الضاحك فاستدارت لتجد
أنه ذلك الشاب الذي رأته من النافذة وقدم إلي ليلي بالأمس و لم تتذكر هي سؤالها
عنه ، فرفعت حجابيها قائلة باستنكار:
" عرفت أسمي منين ؟ "
وضع معتز يده في جيب بنطاله و ابتسم قائلاً:
" من طنط ليلي "
" و مين أدك الحق أنك تنادي كده به و أنت مين أصلاً
عشان تقف تسلم عليه وتقولي أزيك "
" بحق أن أحنا جيران و طنط ليلي صاحبة ماما الروح
بالروح"
أشاحت بيده بعيداً عنه قائلة بضيق:
" ده علي أساس أني هنا سبعة سنين مثلاً و أتربينا
سوا وعارفك وعارفني "
ازدادت ابتسامته اتساعاً و قال و يمد يده إليها :
" نتعرف .. دكتور معتز .. ثمانية وعشرين سنة .. ساكن
في الدور السادس و أعزب "
قاطعته قائلة :
"حيلك يا جدع أنت .. أنت مجنون مش طبيعي زينا يعني "
قاطعهم عمرو الذي دلف إلي البانية بعد أن ركن سيارته :
" في أيه يا معتز .. مين دي"
نظرت لهم و الشر ينطلق من عينيه و هتفت قائلة :
" ما هي بقيت كافتيرا عصافير الجنة مش عمارة و كل
واحد داخل يتعرف "
ووصل المصعد فدلفت إليه و أغلقته ورائها بقوة تاركة الاثنين
في حالة ذهول ، سرعان ما أعاده منها فهتف عمرو
بضيق:
" و دي مين دي عشان تكلمني كده !"
انتبه معتز لحديثه فلتفت له قائلاً:
" دي ساكنة جديدة في العمارة حاولت أكلمها عملت زي ما
أنت شايف "
" أرحمنا بقي من تصرفاتك دي خليت بنت تبهدلنا كده ..
أنا غلطان أني جيت أشوفك أتأخرت ليه"
"خلاص بقي يا عمرو .. يالا ها نتأخر لعلي "
استدار إلي باب البانية دون أن ينبث بحرف من شدده ضيقه فلم
يصادف فتاة أرعنت فيه هكذا و مع فرعه الصعيدي اشدده ضيقه ، سار بضع خطوات حتى وصل
إلي بانية صديقه الذي يقع بجانب بانية معتز
، دلف إليها و اتجه إلي المصعد و خلفه معتز و صعدوا إلي الطابق الرابعة
ومنه إلي شقة علي التي تقع في الجانب اليمين طرق الباب ففتح علي و دلف الاثنين إلي
الداخل ، أغلق علي الباب و قال بسخرية:
" مالك أنت و هو "
قال عمرو بضيق :
"البيه راح يعاكس واحده و بهدلته روحت أشوف أتأخر ليه
راحت مبهدلني معه"
قال علي وهو يضحك:
" ما هو ده
آخرة اللي هو بيعمله ده "
قال معتز بضيق:
" خلاص بقي أنت و هو "
قال عمرو بضيق قائلاً :
" آخرة اللي بتعمله ده مصيبة كبير إن شاء الله
"
" يا عم دي مرة .. المهم فين الأكل "
" شفت يا علي و لا علي باله حاجة "
" ما هو أنا العرق الصعيدي بتاعي مش موجود "
قاطعهم علي :
" خلاص منك له أنا ها أقوم أجيب الأكل و كل واحد
يأخذه راحته "
قالها و اتجه إلي المطبخ بينما فتح معتز التلفاز و راح
يتابع أحدي الأفلام الأجنبية بينما أغلق عمرو عينه و زفرة في ضيق ناقم علي كل شيء
..
*********
دلفت نهلة إلي الشقة و هي تمتم بكلمات غير مفهومة فجاءت
ليلي من المطبخ علي صوتها و انفجرت ضحكاً حين رأت احمرار و جنتيها من أثر الضيق و
سألته بضحك :
" اللهم ما أجعله خير .. مالك؟ "
وضعت الكتب علي المنضدة و حقيبتها فوقهم و اندفعت قائلة
:
" البني الرذل اللي أسمه معتز اللي كان هنا أمبارح
نازل معاكسة من البلكونة و تحت و أنا راجعه حاجة فظيعة "
ضحكت ليلي بصوت مرتفع و قالت بأنفاس متقاطعة :
" معتز طيب و الله بس هو عايز كده مش بيلم روحه مع
البنات "
ضربت نهلة الأرض بقدميه قائلة :
" ده رخم و بيضايقني بس أنا مش سكت بهدلته "
قهقهت ليلي و ترطب علي كتف نهلة ثم قالت :
"خلاص أنا مش ها أخليك يضيقك ثاني .. أدخلي أنتي
غيري عشان الغداء "
" حاضر "
قالتها و حملت حقيبتها و الكتب و دلفت غرفتها وضعتهم علي
المكتب وحملت المنشفة و اتجهت إلي الحمام أخذت حماماً بارداً وعادت إلي الغرفة ،
لملمت شعرها الفحام في ضفيرة رقيقة و التقطت سترة منامتها التي تتكون من بنطال
أزرق و تشيرت أبيض رقيق و تلك السترة الزرقاء التي ارتدتها و وضعت كالشنوها علي رأسها
و اتجهت تفتح الشرفة و دلفت إليها تستنشق الهواء و في يدها رواية "لا أنام"
لإحسان عبد القدوس فتحت أولي صفحاتها وشرعت تقرءا و في وسط أندمجها سمعت صوت في شرفة
البانية التي بجانبها فرفعت عينيها تلقائياً لتجد ذلك الشاب الذي كان مع معتز جارها
المقيت فتعلقت عينيها به فكان قد جلس علي مقعد أمامها واضعاً يده علي شفتيه فاتحاً
عينيه التي خيل إليها أنها خضراء بلون الزرع ينظر إلي اللاشيء يزفر كل ثوان في ضيق
حتى امتدت يده تفتح زراً أخر من قميصه الكلاسيكي سماحاً لنسمات الهواء التي بدأت
تبرد ، كانت عينيه تتعلق به لا سبب سوا أنه شبه في جلسته أحدي أبطال الروايات أو
ربما لشيء أخر لم تعرفه كل ما فعلته كان تلقائياً للغاية كانت شردت في تفاصيله التي
باتت ساخرة في نفس الدقيقة التي آتي إلي
مسماعها صوت ليلي:
" سرحانة و بتبصي علي أيه يا نهلة ؟؟!"
يـتــبــع ...
لقاء اول صادم بين عمرو و نهلة
ردحذفيا ترى هيتقابلوا تانى
كتييييييييييييير ^_^
حذف