السبت، 24 أغسطس 2013

"حـذاري من الحــب" نوفيلا 7











تقف أمام أصدقائها شاردة يلوحون لها بالأوراق و هي ساهمة فضاقت صديقتها شيماء بها فأخذتها بعيدة و نظرت لها متسائلة :
"مالك سرحانة في أيه أنها رده "
استدارت تنظر إلي الفراغ :
" أبداً يا شيماء "
" قولي يا نهلة مالك "
" بعدين أنا لازم أمشي ها أبقي أكلمك ها "
" طيب أنا ها أشوف حاجة و أمشي "
"طيب .. باي "
"باي"
تركتها و سارت تجاه باب الجامعة تفكر فيما حدث صباح اليوم مؤنبة نفسها علي مجيئها مع عمرو تنهدت ورفعت عينيها لتجده أمامها بنطاله البني و قميصها الكاكاوي و سترته التي يحملها خلف ظهره ابتسم و اتجه إليها فسبقته قائلة:
" أنت لسه هنا"
"اللي جابك يروحك"
نظرت للأسفل و عبثت بأصابعها :
" مش لازم علي فكرة"
"يالا يا نهلة أنا أصلاً رايح لمعتز يالا بقي "
" طيب أتفضل قدامي "
" هي حصلت طيب يالا يا سيتي يالا"
سارت معه بين الشوارع و الميادين فتناست شرودها و فكرها و أخذت تضحك و تتحدث تارة عنها و تارة عنه ثم أوقفها و أحضر لها آيس كريم كما تفضل فتنحنحت شاكرة :
" متشكرة "
ألتهم قطعة من بسكوته ثم قال :
" العفو "
ألتهم بعض منه ثم أردف :
"أنتي مخطوبة مرتبطة بتحبي أي حاجة كده "
"لا و أنت "
" مش عارف"
"أزاي"
" زي الناس ما في حاجات كثير الناس مش عارفها"
"غموض!"
"لماضة"
انفجرت نهلة ضحكاً وشاركها عمرو و عادوا للحديث مجدداً حتى وصلوا إلي بداية الشارع ، كان منظرهم كعاشقين و هذا لم يعجب ليلي التي كانت تقف في الشرفة في انتظار نهلة لم يعجب المنظر فانتظرتهما حتى اختفوا داخل البانية و اتجهت لتفتح الباب منتظرة إياهم ..
كانت تصعد الدرج مع عمرو الذي كان يعلو صدره و يهبط بسرعة ، فضحكت قائلة:
"أيه يا حاج صحتك علي أدك "
وضع عمرو أناملها علي صدره قائلاً:
" ده من كثر الضحك و سلم أنا أيه جابني هنا "
ضحكت نهلة و نظرت للأعلى لتجد علي واقفة منتظرة و علي ملامحها علامات الضيق و الغضب و تابعتها بصوت غاضب:
"نهلة مين ده "
نظرت لعمرو الذي قال بهدوء :
" دكتور عمرو صاحب معتز جاركم "
أردفت ليلي بنفس لهجتها :
"و كنتوا فين سوا يعني و ليه"
ابتلعت نهلة أنفاسها قائلة :
"كنا مع بعض عشان ... "
قاطعها عمرو قائلاً:
" كنت معها عشان افتحها في أني عايز أتقدملها ..."
"أيه"
قال معتز تلك الجملة و هو يقف علي السلم المقابل و خلفه نادية والدته فارتعشت نهلة و أوقعت الكتب  من يدها و تشتت ملامح ليلي و ضاقت ملامح عمرو و أصبح الجو متوتراً ...
ابتلعت نهلة أنفاسها و تبادلت النظرات المتسائلة مع عمرو الذي بادلها بنظرة هادئة و أشار إليها برأسه لتدخل فتنهدت و كأنها طوق نجاتها الوحيد فحملت كتبها و دون أن تنبث بكلمة دلفت إلي الداخل و لم يمنعها أحد ، نظر عمرو إلي الأسفل ثم رفع رأسه وقال بجراءة هادئة:
"مدام ليلي بما أنك المسئولة عنها فأنا بطلب منك أني أقعد أتكلم مع حضرتك شوية لو تسمحي يعني "   
نظرت ليلي إلي نادية التي هزت رأسها بالموافقة علي حديث عمرو فاستدارت ليلي مفسح له الطريق :
" أتفضل يا دكتور"
دلف عمرو إلي الداخل قائلاً برسمية:
"شكراً "
و استدارات مرة آخري أذانه من نادية برأسها ثم دخلتها و أقفلت الباب ، فأدارت نادية رأسها بمعنى عدم الفهم و الحيرة و نزلت درجتين و هي تهتف بمعتز :
" يالا يا أبني خليني نروح المشوار ونرجع بدري"
أفاق من شروده قائلاً:
" يا ماما ده بيقول يخطبها .. يعرفها منين عشان يخطبها أصلاً "
" ليه هو عمرو زيك ها يعرف و يصاحب ده صعيدي وراجل و الكلام ده عندهم عيب .. و بعدين يالا خلينا نروح و لما نرجع ربنا يحلها"
هتفت فيه بحدة  و استدارت تهبط الدرج بينما نظر هو للباب شقة الذي و أطلق سبه بصوت منخفض و هبط خلف والدته ..

أغلقت ليلي الباب خلفها ناظرة إلي عمرو الواقف علي عد خطوات منها بأدب شديد فابتلعت أنفاسها  و اتجهت إليه قائلة بهدوء:
" أتفضل أقعد"
قالتها و سارت أمامه إلي البهو الصغير بجانب النافذة الذي يوجد به معقدين بينهم طاولة صغيرة أنيقة جلس عمرو علي اليمين مما أتاح له النظر لجميع أرجاء المنزل و أمامه ليلي موليه نظرها إليه تتفحصه كان أنيق وسيم هادئ إلي الآن تلك الملاحظات المبدئية التي كونتها عنه ، نفضت تلك الملاحظات عن رأسها و قالت لهجة تبدو طبيعية :
" تحب تشرب أيه يا دكتور"
قال عمرو بنظرة متفحصة و صوت هادئ :
" شكراً يا مدام ليلي .. أفضل ندخل في الموضوع علي طول عشان أوضحلك كل حاجة "
ابتلعت ليلي أنفاسها قائلة :
"أتفضل"
أخذ نفساً عميقاً ثم أردف بهدوء :
" أنا دكتور عمرو جراح في الحقيقة .. عمري ثمانية و عشرين سنة من قنا أو بدقة أكثر عزبة قريبة منها بتاعتنا لكن أنا شغلي و حياتي هنا في إسكندرية .. بالمناسبة أسمي كامل عمرو أدهم الوالي "
قاطعته ليلي بتعجب:
"أدهم الوالي صاحب الأخبار اللي انتشرت سنة 2002
نظر عمرو إلي الأسفل ثم أردف بهدوء:
" آه هو .. مدام ليلي الحقيقة أنا شفت نهلة بالصدفة و أتكلمنا أمبارح و أنها رده و عشان أنا راجل و صعيدي لما عجبتني نهلة قررت أخطبها و كنت معها انهارده عشان أخد رأيها بس مجتش فرصة"
كانت ليلي مازلت في حالة غير واعية لما قاله عمرو من حديث مرتب صريح حاولت التغلب علي حالتها و قالت بهدوء :
"لكن أنتم لسه عارفين بعض و هي صغيرة و .."
قاطعها عمرو بهدوء :
" مدام ليلي نهلة عمرها عشرين سنة و اللي فاضل ليها في الجامعة سنة و علي المعرفة في الخطوبة ها نعرف بعض كويس و تحت مسمي حلال أنا مش بتاع خروج ولا فسح من غير حاجة رسمي أنا بخاف علي نهلة زى ما بخاف علي أختي و ها أحترمها و ها أعيشها في مستوي كويس و الأهم أنى ها أعاملها كويس "
ابتلعت ليلي أنفاسها أمام هجومها الساحق عليها و نظرت إلي الأسفل تفكر فتركها عمرو و نظر أمامه ليجد نهلة تقف أمام باب غرفتها فاتحة فمها من الدهشة فضحك و نظر إلي الأسفل ثم نظر إلي علي مطمئنً إياها برأسه ثم أشار إليها أن تدخل فضربت علي رأسها من شدة الحيرة و دخلت تحادث نفسها مما جعله يضحك بصوت مكتوم فنظرت له ليلي ثم قالت بهدوء :
" الحقيقة يا دكتور عمرو أنا لازم أخد رأي نهلة و أبلغ أهلها عشان هم مسافرين"
نهض عمرو من مكانه و قال بهدوء :
" أكيد أنا ها أستني رأي حضرتك يوم الأربعاء .. انهارده الأحد يعني قدامك أربعة أيام أكيد كفاية"
نهضت هي الأخرى :
"فعلاً "
"طيب أستأذن أنا "
"طبعا .. أتشرفت بمعرفتك "
"أنا أكتر .. مع السلامة يا مدام ليلي"
"مع السلامة"
قالتها و انتظرت حتى اختفي من أمامها ثم أغلقت الباب و استندت برأسها عليه ثم نظرت إلي غرفة نهلة فتنهدت و دلفت إليها ، فتحت الباب لتجد نهلة جالسة علي قدميها أعلي الفراش و  بمجرد خولها نظرت إليها و قفزت من مكانها قائلة :
" ها يا خالتو عمرو كان بيقولك أيه كل ده "
نظرت لها ثم جلست قبلها قائلة:
" عمرو كان بيخطبك"
لم تعرف ماذا تشعر كل ما تعرفه أنه شعور رائع أن يتقدم إليك أحد ابتسمت رغماً عنها فسألتها ليلي :
"مبسوطة ؟؟ .. أنتي موافقة عليه ولا أيه "
مسحت ابتسامتها بسرعة و ارتبكت قائلة :
" لا أبداً ضحكت علي سرعته أصلي يعني مش عارفه و كده "
" طيب و أيه رأيك"
"مش عارفه "
" أزاي يعني يا نهلة "
" أنا كلمته مرة بس و أعتبر مش عارفه خالص "
"عموماً لسه أهلك أنا ها أسيبك تفكري و لما ترجع نادية ها أسألها عليه لأنه صاحب معتز أوي"
"طيب"
أنهت ليلي حديثها و غادرت الغرفة بينما نهضت نهلة من فراشها و جلست علي حرفه فوقه تبتسم و تتخيل ذلك الوسيم يريد خطبتها جعلها تبتسم شدة لكن تلاشت الابتسامة بسؤالها كيف بهذه السرعة و لماذا هي و يوجد بناتً أجمل و أسرتها هل سيستمر في طلبه حين يعلم ،نزلت من أعلي السرير ضاممه ركبتيها إليها وضعه رأسها عليهم تفكر بضيق ...

*****

كان الأمس بالنسبة له دهراً كاملاً من التفكير و الحيرة منذ أن آتي إلي منزله وهو يغلق كل شيء حوله فقط جالس وحده يفكر في كل شيء لقاءه مع نهلة طلبه للزواج منها عائلته والده و عمه و والدته و كل شيء لا يعرف هل فعل الصواب بطلبه لزواج نهلة أم لا و كيف سيكون رد الفعل و ماذا سيحدث بعد ذلك ، كان عقله يكاد أن ينفجر من كثرة الأسئلة و الأشياء بداخله فنهض من فراشه الذي لم يغمض له جفن فوقه واتجه إلي الحمام و أخذ حماماً بارداً ثم أرتدي حلة سوداء و قميص أسود دون رباطة عنق و خرج يستقل سيارته و يطير بها إلي المشفي عل العمل ينسيه..
****
ليس لديها جامعة اليوم و مع ذلك لم تنام جيداً هذا إن غفوت عشرة دقائق كاملين منذ الأمس وهي تفكر في عمرو أنه الأول في كل شيء لم يتقدم إليها أحد قبل ذلك و لم تقبل أن يتحدث معها أحداً من قبل أنها مبهورةً به حتى الثمالة لكنها خائف من ردة فعله حين يعلم أهلها و من تسرعه في طلب يدها ، شعرت أن عقلها سيخرج من رأسها فنهضت تشرب شيئاً بارداً علها تهدأ ، دلفت من غرفتها فوجدت ليلي عند باب الشقة تقدكت منها بخطوات خجلة هامسة:
"صاح الخير"
نظرت ليلي لها بحيرة و تنهدت قائلة:
"صاح النور  .. أيه مصحيك بدري الساعة عشرة "
"أصلي نمت بدري أمبارح"
"طيب أنا طالعة لنادية شوية و نازلة "
"ماشي"
فتحت ليلي الباب و خرجت تاركة نهلة مكانها غارقة في شرود سرعان ما أفاقت منه و اتجهت إلي المطبخ أحضرت كوب من المياه الغازية المثلج و اتجهت تفتح التلفاز جلست أمامه تفكر و بعد دقائق طويلة من الجلوس ذهبت في سبات عميق من كثر إرهاقها العقلي ...
********
دخل المشفي بخطوات جدية منتظمة و كأنها مدروسة لا يعطي انتبهاً لأحد ولا ينظر إلا أمامه مباشراً حتى دلف إلي مكتبه خلعه سترته و جلس خلف المكتب أخرج عض التقرير و الملفات و فتح حاسوبه الشخصي و جلس يعمل بهدوء حتى دخلت لبني زى الممرضات التي تفتح أول ثلاثة أزار من سترته وقفت مائلة أمام المكتب قائلة بدلالة :
"حمد علي السلامة يا دكتور"
رفع عمرو نظره من الأوراق ثم أعادة النظر فيها قائلاً :
" في حالات يا لبني و لا أيه "
امتقع وجه لبني بالضيق ثم أخذت نفساً عميقاً و ابتسمت ابتسامة مغرية :
" لا يا دكتور لسه العيادة الخارجية مش فتحت"
" أمال في أيه حد من الحالات المحجوزة حصله حاجة في تطورات "
" أبداً يا دكتور "
فجأة أندفع الباب و ظهر وجه معتز الغاضب نظر إلي لبني ثم هتف :
"أمشي يا لبني ده الوقت "
استدارت لبني لمعتز و قالت بلامبالاة:
" بس في شغل مع دكتور .. "
قاطعها عمرو بهدوء حازم:
" أمشي يا لبني "
لم تفهم لبني شيئاً مما يجري لكنها غادرت بهدوء خوفاً من عمرو و الحزم الذي يتميز به رغم طيبته أحياناً ، وبمجرد خروج لني ألتف معتز لعمرو بغضب :
" أنا عايز أعرف ليه نهلة أنت متعرفهش يا عمرو "
أخذ عمرو نفساً قوياً ثم قال هدوء :
" ما هو أنا ها أخطبها عشان أعرفها ، أنا مش بتاع مشي يا عمرو و بعدين ما أحبها أخطبها أنت عارفني "
" يعني مش لاقيت في إسكندرية كلها غير نهلة ، خلاص ضاقت بِك الدنيا و ما فيش غيرها !"
ابتسم عمرو ابتسامة ساخرة قائلاً:
" ليه محساسني أنك كنت بتحبها و أنا اللي خطفتها منك ، معتز عصبيتك من غير مبرر خالص أنت بس مضايق عشان خطبت واحدة من عمارتك في منطقتك بقي و أنت اللي لازم تكلمهم الأول مش كده "
ابتلع معتز أنفاسه قائلاً:
" لا طبعا مش كده "
نظر له عمرو بجدية وهدوء :
" أمال !!؟"
نظر له معتز ملياً و لم يعصر بين أركان عقله علي إجابة في الواقع هو لا يملك أدنى إجابة و لا يعلم لم كل هذا الضيق لن ينكر رغبته في الحصول علي نهلة كصديقة من نوع جديد لم يجربه لكن الموضوع لم ولن يصل إلي حب لذلك لم يعرف ماذا يقول فنظر إلي عمرو ليجده يبتسم له بسخرية و يدير نظره إلي حاسوبه و يكمل عمله و كأنه غير موجود مما زاد شعوره بالإحراج والضيق فغادر في صمت مثقل ...
قذف عمرو القلم علي المكتب و خلع نظارته الطبية و أخرج هاتفه من جيب بنطاله و أتصل علي أحدي الأرقام و انتظر حتى فتح الخط ..
"الو يا شريف .. مش كويس خالص .. عايزك يا شريف تكون هنا قبل الجمعة .. ألغي و أجل كل حاجة المهم تكون عندي الثلاثاء بالكثير .. ماشي مع السلامة"
قذف بهاتفه علي المكتب و أخذ نظارته و نهض إلي العيادة عله يرتاح قليلاً من التفكير ...
*******
جلست أمام نادية تحتسي القهوة الساخنة في هدوء و تسألها في حديث حميم بين صدقتين مثل الأخوة :
" يعني أنتي رأيك أيه في عمرو"
ابتسمت نادية و قالت حماس :
" عمرو ده ربنا يبارك له .. أخلاق و طيبة و ذوق و دكتور شاطر و من عائلة كبيرة أوي و مستوي المادي عالي أوي و غير كده ما فيش في أخلاقه و أدبه إلا ما عمره كلم بنت ولا عاكسها راجل بجد و صعيدي "
"يعني لو نهلة موافقة .."     
قاطعتها نادية بنفس حماسها :
"توافقي طبعا مش ها تلاقي حد يحترمها و يحتويها زي عمرو و يسعدها كمان "
نظرت لها نادية بحيرة و رشفة رشفتين من القهوة ثم قالت :
" و أهلها "
" كلميهم و عرفيهم و هم مش ها يمنعوا ما أحنا عارفين "
تنهدت ليلي ثم قالت :
" عموماً رأي نهلة هو الأهم "
ابتسمت نادية و ضحكت ضحكة صغيرة:
"ها توافق و ها تشوفي "
"لما نشوف"
عادت ليلي لقهوتها بينما أخذت نادية تقطع الخضروات و كلا منهما يفكر في مصلحة نهلة و كأنهم أسرتها رغم أن كلاهما لم يعاشروها إلا منذ أسابيع و لكن منذ متى يقاس الحب بالأيام ؟ ...
***********

قررت الذهاب للجامعة بعد يومين جالسة في البيت لا تفعل شيء سو التفكير ولم تصل إلي شيء ، نهضت من فراشها و ارتدت بنطال جينز أزرق و ستره ورديه و حجابها البسيط وخرجت بعد أن أبلغت ليلي ، ذهبت إلي جامعتها و جلست وسط صديقتها شاردة كما هي لم تنشغل أو تفكر في شيء أخر حتى ظلت جالسة حتى الساعة الثانية و لم يحدث شيء  فنهضت تسلم علي أصدقائها وترحل ، خرجت من بوابة الجامعة لتجده أمامها جالساً علي سيارته يرتدي حلة رصاصية أنيقة جداً و نظارته الطبية تعطي لعينه شاعاً جذاباً لم تنته إلا و هو أمامها يحدق بها فنظرت إلي الأرض ينما قال هو :
"أزيك ؟ "
ابتلعت أنفاسها بصعوبة :
"الحمد لله "
تنهدت بهدوء و قال بثقة وجدية :
" ممكن نعقد نتكلم مع بعض شوية "
حدقت بالأرض أكثر  و تمسكت بكتبها :
"لا مش ها ينفع أتأخر .. كمان أصل .. "
قاطعها بهدوء:
"نهلة أنها رده الثلاثاء أنا بجيلك هنا من يومين و أنتي مش بتجي و أحنا لازم نتكلم و ما فيش إلا أنهارده فأرجوكي يالا نعقد في الكافية جنب كليتك و نتكلم "
رغم كل حيرتها و خوفها إلا أنه علي حق يجيب أن تتحدث معه لذلك أشارت له بالموافقة و ذهبت أمامه إلي المقهى بجانب جامعتها جلست أمامه كهرة صغيرة خائفة ناظرة إلي الأرض فابتسم قائلاً:
" ها تفضلي حطة عينك في الأرض "
ابتلعت أنفاسها و همست :
"آه"
ضحك بخفة :
" طيب تشربي أيه"
"ممكن مياه بس "
أشار إلي النادل ليحضر مياه و عصير فرش و فنجان قهوة و ألتفت إليها و أخذ نفساً عميقاً قائلاً:
"أنا عارف أنك محتارة و مستغربة و ليكِ حق يا نهلة بس صراحة أنا معجب بك و عشان نتعرف علي بعض أكثر كان لازم نتخطب أنا مش ها ينفع أصاحب و لا أمشي ولا أرضهلك دي كل الحكاية "
"ليه أنا ؟!!"
"يا نهلة ما فيش حد بيسأل ليه الإعجاب أو الحب دول لو بقوا بأسباب يبقوا كدب "
صمتت فأردف هو :
"أنا قولتلك السبب و أكيد أنتي ليكي حرية الاختيار .. طبعا لسه ما فيش حد يعرف طباع الثاني ولا حياته بس في فترة الخطوبة ها نعرف كل حاجة و في أطار رسمي كمان "
أكتسحها لم تجد إجابة لحديث المرتب المقنع فصمتت تفكر و شرد هو أيضاً و بعد فترة طلبت أن تذهب فأخرجها و أوقف لها سيارة أجرة و شدد عليها أنه ينتظر جوابها في الغد و تركها ترحل بينما ركب هو سيارته و ذهب لبيته ...
دلف إلي شقته ليجد ذلك الشاب الذي يشبه في ملامحه قليلاً يجلس علي الأريكة يطلع أحدي الصحف فاتجه إليه و عنقه بشدة و بادله الآخر ثم جلس عمرو بجانبه :
" وحشتني يا أبن عمي "
ضحك شريف قائلاً:
" أنت كمان أنا عارف أني مقصر لكن كل الشغل هناك عليه و أنت عارف"
أطلق تنهيدة :
"عارف"
"قولي مالك "
نظر عمرو لأبن عمه شريف صديقه المقرب أخاه الذي لم تلده أمه ثم خلع سترته و قال بطبيعته :
" أنا أتقدمت لواحدة من هنا أنت عارف لازم أتجوز "
"آه عشان عمي اللي راجع "
"آه البنت كويسة و محترمة و اللي كانت قدامي"
"مش بتحبها "
"ملحقتش بس الأهم أتمم الخطوبة "
"مش عارف أقولك أيه "
"أدعي أنها توافق و بعدين نفكر وصدقني مش ها خليها تخسر "
" متأكد "
ثم صمتت الاثنين يفكر كلا منهما في نفس الشيء وهو عادات عائلة الوالي و تفكيرهم ...

***************
تطلعت إلي فستانها الوردي الملفوف حول جسدها في انسيابية تامة و حجابها البسيط و زينتها الخفيفة كان حولها هالة من الضوء و الفرحة يتخلخله بعض الضيق من تصرف أهلها و موافقة دون أي اعتراض لكنهم يثقون بليلي و هي تثق به و بعمرو الذي خطف عقلها بحديثه المرتب و اليوم الجمعة تنظره مع والدته ليتقدم إليه رسمي كم هي سعيدة ، تطلعت إلي نفسه مرة أخري برضا ثم سمعت طرقات الباب ...
اتجهت ليلي لتفتح الباب فوجدت سيدة في أوائل الخمسينات جميلة رغم سنها و وقور و أنيقة للغاية و عمرو بوسامته المعروفة خلفها و لو أن وسامتها أصبحت طبيعية فتأكيد أخذها من والدته و خلفهما شاب يشبه عمرو لكن أقل وسامة و راجل وقور دعتهم بابتسامة للدخول فدخل عمرو قائلاً :
"أهلاً و سهلاً يا مدام ليلي .. أعرفك ماما الحاجة شمس كامل"
دخلت السيدة و التقطت يد ليلي بابتسامة كبيرة:
"أهلاً يا مدام ليلي  "
"أهلاً يا حاجة شمس "
ابتسم عمرو و قال بهدوء :
"عمي علاء الوالي و أبنه شريف"
سلمت علي كلاً منهما و بادرت بتعرف الرجل الذي يقف معها :
"المقدم علي خال نهلة "
سلم عمرو عليه و كذلك أفرد أسرته ودعتهم ليلي إلي الدخول جلس كلاً منهما و بعد احتساء القهوة قال عمرو ما يريده و باركته والدته وعمه و كما تحتم العادات قال علي:
" نأخد رأي العروسة .. هي فين يا ليلي"
اتسمت شمس وقالت بهدوء:
"صحيح فين عروسة أبني نفسي أشوفها "
ضحكت ليلي ورفعت صوتها قائلة :
"نهلة تعالي "
قالت شمس :
" يا عيني أكيد مكسوفة "
ضحك الجميع عدا عمرو الذي تعلق عينيه بباب غرفتها ...
بمجرد أن سمعت نهلة تلك الجملة كادت تبكي و قدمها لم تحملها فنادت ليلي عليها مجدداً ابتلعت أنفاسها و أمسكت مقبض الباب و أدرته و وضعت قدمها عند الباب و أخذت نفساً عميقاً و خرجت تقف أمام الباب رفعت عينيها لتجد عمرو واقفاً مرتدياً حلة سوداء وقميص أزرق و نظارة طبية تجعله جذاب جداً كاد قلبها أن ينخلع من شدة الدق و قدمها التصقت بالأرض ، فاتسم عمرو و تقدم منها و اقترب منها و همس لها :
"تعالي أتعرفي علي ماما طيبة أوي و ها تحبيها "
رفعت نظرها له و تشبثت بعينه العسليتين و قلبها يعلو ويهبط لم يستطع التحرك هو الآخر فعينها كانت تريده شدة فلم يستطع و ترك نفسه ينظر إلي عينيها البريئتين و تشكلت أمامه تلك الهرة الجميلة الطيبة البريئة لكن أفاقهما صوت ليلي الضاحك :
"أنت كل ده بتجبها يا دكتور"
و أضافت شمس سعادة:
" كفاية عليك يا عمرو كده خلينا أشوفها أنا "
ضحك عمرو و همس لها:
" عجبك كده"
أحمرت وجنتيه وصمتت فأخذها عمرو من يدها فأرتفع قلبها إلي السماء أنها المرة الأول أنه الأول في كل شيء ، وقفت أمام والدته التي نهضت قائلة :
" الله و أكبر .. بسم الله ما شاء الله "
ابتلعت نهلة أنفاسها :
"أزاي حضرتك؟"
ضمتها شمس قائلة:
"الحمد لله يا حبيبتي أقعدي هنا جنبي "
جلست جانبها و شعرت حنيتها و طيبتها فارتحت قليلاً لكن خالها سألها :
"نهلة عمرو عايز يتقدملك أيه رأيك يا حبيبتي "
احمرت وجنتيه نهلة و صمتت فضمتها شمس و ليلي و تمت المباركة لعمرو و ألبسها خاتم و طوق ثمنين للغاية حتى هي شهقت عندما رأتهم لكنها تمالكت نفسها ، و بعد قليل اقترحت والدته عمرو أن يجلس مع نهلة في الشرفة قليلاً فخرجوا كلهما أخرج عمرو لفافة تبغ و أشعلها وراح ينفس دخانها في الهواء ثم ألتف لنهلة قائلة:
"مبروك"
ابتلعت أنفاسها و همست:
"الله يبارك فيك"
" يا نهار أبيض يا جدعان علي الكسوف "
ضحكت نهلة فضحك عمرو :
" آه أضحكي و كده .. أنتي أموره أوي أنهارده "
ابتسمت بخجل و احمرت وجنتيه قائلة:
" ميرسي "
ثم تذكرت نهلة شيء و قالت :
"أنت أسمك عمرو أدهم صح "
"آه يا سيتي .. مش تقلقي ها أعرفك كل حاجة أنتي عايزها"
"بجد"
ابتسم لها :
"بجد"
اتسمت و فكرت للحظة ثم قالت في سرعة:
" طيب قولي الأول أسمك كامل ثلاثي يعني "
صمت ثوان ثم قال:
"عمرو أدهم الوالي"
هزت رأسها في هدوء فسألها :
"سمعتي أسمي قبل كده ولا أيه"
رفعت كتفيها في حركة عدم المعرفة قائلة:
" لا "
" أهلك وافقوا"
نظرت للأسفل و قالت بضيق:
"آه و بعدين خالو كلم بابا كثير و أقنعه عشان كان عايزنا نستني و كده "
اتسم و مال عليها همساً:
" و أنتي بقي كنتي عايزه أيه "
استدارت قائلة بعفوية:
" وبعدين قي يا عمرو !"
ضحك بشدة ثم قال:
" عمرو كده لوحدها"
ضغطت علي شفتيها ثم قالت:
" أقصد دكتور عمرو"
و اكتملت له فكرة الهرة البريئة لم يعرف بماذا يجيب فأدارها تنظر له فتهت في عينيها و تركها فعينيها تفضحها أنه تريد النظر إليه بشدة فتنهدت هو بضيق ...
******
كان أسبوع من السعادة كان يحادثها يومياً قليلاً لكنه كان يترك لها فرصة المذاكرة لكنها سعيدة به كثيراً كان يأخذها من المنزل إلي الجامعة إذا أرددت أن تذهب و يبتع لها الروايات والكتب و الحلوى لكنها كانت تريده محادثته لفترة أطول لكنه يغلق الكلام سريعاً لتدرس ..
و اليوم هي في جامعتها تنظره أن يأتي تريد رؤيته بشوق غريب عليها و أخيراً ظهرت سيارته فاستأذنت صديقتها و ذهبت له لكن تراجعت للخلف عندما رأت وجه الغاضب المحمر من كثرة الغضب تراجعت فتقدم منها و همس في آذنها بغضب :
"تعالي معايا"
لم تعرف ماذا لكنها تملكت نفسها و ذهبت معه إلي السيارة دلفت دخلها وهو الآخر و أنطلق يجري به حتى وقف في مكان منعزل نوعاً ما علي الشاطئ و نزل من السيارة أشعل لفافة  تبغ و راح ينفث دخانها بعصيبة ابتلعت نهلة أنفاسها و نزلت من السيارة وقفت خلفه متسائلة بهدوء وهمس :
" مالك"
قذف اللفافة من يده ودهس بقدمه و استدار لها قائلاً :
"أنتي مش عارفه "
همست بخوف:
"لا"
صرخ بها :
" كم مرة أسألك عن أهلك تقولي مسافرين من زمان يشتغلوا هناك صح"
لم ترد نظرت لها و ترقرقت الدموع في عينيها فأردف بعصيبة :
" صح ولا أنطقي"
نزلت الدموع من عينيها فأكمل حديثه:
" و هم مسافرين من شهر و كأم يوم يشتغلوا في شركة صاحب عمك صح و كنتي ساكنة في شارع شاهين قريب من أبو العباس صح .. و نازل خالي أقنع بابا كثير و هم وافقوا علي طول من غير ما يسألوا و فاكرني مش ها أعرف "
أخذ نفسه ثم أردف بصوت غاضب عالي:
"عبيط أنا صح ممكن تستغفليني .. ردي عليا"
لكنها أخشي عليها و سقطت أرضاً فركض عليها حمل رأسها لأعلي ثم حملها هي و أدخلها سيارته وهو يبعد الناس أخرج من السيارة محقن و أدخله في وريدها و بعد دقائق طويلة أفاقت بهدوء و أمسكت رأسها فتحت عينيها بطئ فوجدت علبة عصير أمامها و صوت جوهري غضب مكتوم:
"أشربي دي"
أخذتها هدوء وراحت تبكي في صمت و هو ينظر لها ثم قال لها هدوء:
" بطلي عياط ها تتعبي ثاني "
لم ترد بل استمرت بالبكاء فصرخ بها:
"أسكتي قولك"
شهقت و كتمت دموعها فأردف هو :
" من الآخر أنتي غلطانة و حطتني في موقف زفت مع أهلي و مش ها ينفع أرجع أبداً "
حاولت التحدث دون بكاء لكنها فشلت ثم قالت صوت باكي :
"عمرو أنا ماليش ذنب في .."
قاطعها بحزم:
" مش عايز مبررات .. أنتي حطتني في الموقف ده ولازم تقبلي شروطي عشان الموقف يعدي"
عادت الكلمة باستغراب:
" موقف"
"طبعا أنا عائلتي كبيرة وماما عزمهم و جايين من السفر وصعب أقولهم ما فيش عروسة و خصوصاً عمي اللي جاي كمان كأم أسبوع"
بكت في صمت لكنه لم يتأثر و أردف بعصيبة:
" ده غير ماما اللي مش ها تستحمل الخبر ده و كل ده بسببك أنتي و أهلك اللي غلطتي أني مش سألت عنهم ولا عنك"
هتفت به ببكاء:
" اللي أنت عايزه ها أعمله عشان أخلصك من المشكلة اللي حطتك فيها"
" ها تسافري معايا بعد امتحاناتك و نعقد هناك مع مدام ليلي طبعاً زي ما ماما كانت قايلة "
هزت رأسها فأردف بثقة و حزم :
"بس في تغير .. عندي شرطين يا نهلة و ها توافقي عليهم "
نظرت لها بحيرة و خوف لكنها مخطئة لم تصارحه بالحقيقة لكن كيف تقول له حقيقة كهذه نزلت دموعها بصمت و رفعت رأسها له:
" أيه هم ؟" 


يـتـبـع ... 

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق