تطلعت إلي وجهها في المرآة كانت
تبدو جميلة رقيقة زينتها المختلطة بين السمني و الأزرق الفاتح حتى ثوبها الأصفر
الهادئ أو كما أطلقت عليه سلوى السمني الذي اختارته بعناية كان يناسب بشرتها
البيضاء ، كان ثوب طويل بكأم به فتحة صغيرة تسمح لرقبتها بالظهور منقوش في الوسط
بورود زرقاء رقيقة موضحاً رشاقتها و حجاباً بسيطً جداً من لون و قماش الثوب و زينة
رقيقة مظهرة ملامحها الرقيقة الجميلة مشعلة حبتين البندق في عينيها كانت تراه
نفسها جميلة سعيدة بمظهرها هكذا و لوهلة نست أن عقد قرانها يتم علي أساس أتفاق
لكنها تذكرت عدم وجود عمرو طوال اليوم لم يتسن لها محادثته و كأنه يهرب من كل هذا
بالنسيان مع بالطبع
مع منال المختفية هي أيضا كادت
تبكي لكنها تماسكت كي لا تشعر سلوى بشيء التي أتحفتها بكلمات الغزل تنهدت برقة و
قاطعت سلوى متسائلة:
"تعرفي أوضة عمرو
فين"
ابتسمت سلوى ثم غمزت لها :
" الدور الثاني أخر أوضة
في الدور .. عايزه تنزليله ولا أيه ؟"
استدارت لها ثم قالت بضيق:
" بصراحة آه طول اليوم
مشفتهوش و محتاجة أتكلم معه في حاجة مهمة قبل كتب الكتاب"
" خلاص أنزلي الدور مش فيه
غير أن كلهم مشغولين"
نهضت من مقعدها أمام المرآة
قبلت سماح و خرجوا سوياً من الغرفة أشارت لها سماح علي غرفة عمرو في الطابق الثاني
و أكملت هي نزولها إلي البهو بينما اتجهت نهلة بخطوات مرتعشة إليه خيل لها أن
الرواق يطول و الغرفة تبتعد لكنها في النهاية وصلت وقفت أمام الغرفة و طرقت الباب
بخوف طرقة صغيرة هامسة سمعت خطوات تتجه إلي الباب ثم أطل عمرو عليها نظر لها و
بانت في مقلة عينيه إعجاباً برقتها واحتشامها و اعتراف داخلياً أنها تملك جمالاً
رقيقاً محبباً لكنه تعج مجيئها فسألها:
"أيه اللي جابك هنا"
ابتلعت أنفاسها و همست :
" عايزة أتكلم معك قبل كتب
الكتاب "
إزاحة لها فدخلت بخفة اتجه إليه
دون أن يغلق الباب :
"عرفتي أوضتي منين"
رفعت رأسها إليه و صدمت بوسامته
كان يرتدي حلة بنية و قميصاً و رباطة عنق نفس لون ثوبها كان مختلفاً عن كل يوم
رأته فيه لكنها تماسكت و همست :
"سلوى قالتلي "
"طيب أتكلمي !"
"عمرو أنا ها كتب كتابي
عليك دلوقتي و أنت بتعاملني أسوء معاملة و طول النهار و الليل مع منال و أغلبيتهم
لاحظوا و شكلي وحش .."
قاطعها حدة خفيف:
" كله إلا منال ، منال دي
أقرب واحدة ليا في الدنيا و كتب الكتاب ده عشان تصليح موقف ومش ها يستمر كثير و
أنتي السب في الموقف ده "
حاولت إلا تبكي و أمسكت نفسها
جيداً و سألته:
" كل ده عشان بيتنا و أهلي
!"
"دول شوية صح ؟؟ .. طيب لو
سببنا الكذب علي جنب و مسكنا في أهلك و قولت اللي عرفته لأهلي هنا موقفك ها يبقي
أوحش من دلوقتي بكثير أوي .. يبقي تسكتي ونعدي الموقف بخسائر قليلة ليكي لوحدك و
لا بسببك أنا أخسر و عائلتي و ليلي و خالك اللي هم أنظف ما في عائلتكم أصلاً
!!"
تجمعت الدموع في عينيه لكنها
أبات أن تنزل وصمتت معلنة استسلامها ينما هتف هو :
" ها تخسري قليلة بسبب
كذبتك ولا نخسر كلنا معاكي عشان تبقي كاذبة و أنانية مش بتحبي إلا نفسك "
أغمضت عينيه وصرخت به ببكاء:
"خلاص يا عمرو فهمت أنا
كنت بس بحاول نرجع زى الأول في المعاملة مع بعض مش أكثر "
" حتى دي متستحقيهش "
صرخت بكاء:
"ليه بتعاملني كده .. جاهز
غلط لكن من فينا معصوم أنا عندي إحساس و مشاعر و قلب "
نظر لها باستخفاف ثم تسأل :
"ماله قلبك؟"
قاطعهم رنين هاتف عمرو"
قلبي ميشبهنيش فعلاً ميشبهنيش أوقات بيعرفني و ساعات ميعرفنيش .. و أقوله يا قلبي مالك يقولي ما فيش ! .. في الحب
و الإحساس و في أختيار الناس بيمشي علي كيفه .."
تلاقت أعيونهم لثوان ثم اتجه
عمرو إلي المنضدة في نهاية الغرفة التقطت الهاتف ورد سريعاً :
"أنا نازل خلاص هو المأذون
وصل .. خلاص يا شريف دخله أنت و دقائق و نزلين .. سلام"
استدار مرة أخري و تلاقت عينيه
بعينيها المبتلة بالدموع فتنهدت ووضع هاتفه في جيب بنطاله ثم همس بضيق :
" ممكن تظبطي نفسك و تمسحي
الدموع دي عشان المأذون وصل"
ابتلعت أنفاسها و استجمعت كل ما
بدخلها قائلة :
"حاضر بس لاحظ أني بتجوزك
و أنا عارفه أني ها أبقي مطلقة كمان كأم شهر فأبسط حاجة منك المعاملة الكويسة
"
تنهدت و اتجهت إلي المرآة و بدأت تمسح دموعها دون أن تسد زينتها و عمرو
خلفها يتطلع إليها بنظرات مبهمة غريبة غير مفهومة لكنها تجاهلتها و أنهت ما كانت
تفعله و استدارت له قائلة:
"يالا"
أفسح عمرو لها الطريق فسارت وهو
ورائها وصلت إلي بداية الدرج و استدارت له قائلة بعنف غريب :
"يمكن تضايق من كلامي بس
ياريت يعني تسيب منال دقائق و تركز معايا عشان ما فيش حد من اللي تحت يلاحظ و
ساعتها أنت اللي ها تطلع وحش مش أنا "
كز عمرو علي أسنانه ينما أكملت
هي هبوط الدرج و كأنها لم تقول شيئاً مما زاد خنقه فضرب بقبضته علي الدرج و نزل
خلفها ..
وقفت متصلبة أسفل الدرج من هول
ما تراه كانت أمامها فتاة ترتدي فستان قصير للغاية لا تستطيع التحديد أن كان
قميصاً أم فستان كان جسدها ظهراً لحد جعلها هي نفسها تغطي وجهها عنها لكن تعجبها
لم يطل فهي كانت ترتدي ثوب السباحة عصر أمس الذي مقارنته بفستانها تكون غير عادلة
أنه شيء طبيعي جداً لكن لماذا يحدق عمرو هكذا بها أكان يجيب أن ترتدي له ما يظهر
جسدها لكي ينظر لها مثلما ينظر لمنال كانت نظراته لها مليئة بالافتنان أو الاشتياق
أو ربما العشق .
العشق
ترددت هذه الكلمة في آذانها
كثيراً لكنها طردتها سريعاً و انتبهت لوالدة عمرو التي تحتضنها و ليلي و سلوى و
منال التي تحتضن عمرو و في نظراتها عتاب يقابله نظراته بحديث طويل لم تفهمه هي و
لم تفهم أيضاً لما كل هذا التفكير في ذلك الوقت تحديداً لم يأتي في أوقات غير
مناسبة، تنهدت و هي تخبر نفسها بأنها عروس في ليلة عقد قرانها و لا شيء بعد ذلك ،
جلست علي الأريكة و ذهب عمرو مع خالها إلي الغرفة الأخرى التي بها المأذون جلست
شاردة عينيها معلقة بباب الغرفة حتى شردت تماماً في اللاشيء حتى أفاق علي صوت شريف
:
" مبروك يا نهلة الكتاب
أتكتب"
لديها رغبة بالبكاء لا تعرف أهي
سعادة أم خوف نهضت من مقعدها لتصبح واقفة قبال عمرو الذي كان يقف أمام الغرفة
ناظراً لأسفل و ما أن رفع عينيه حتى تلاقت بها فهرب منها إلي أعيون منال لم تقرءا
جيداً عينيه لكنها شعرت بضيق عمرو و ذوبنها في عيون منال السوداء .
الجميع كان مرتكب و أصوات الطول
تعلو و هي تذهب في عالم آخر حتى أنها لم تسمع كلمات التهنئة ممن حولها كانت ترد
علي الجميع بابتسامة و الشخص الوحيد الذي تنتظر قدومها لم يأتي و لم يهنئنها و
كأنها كانت تنظر شيئاً غير ذلك !!
ما يعيقها الآن هو اختفاء منال
و عمر معاً و كأنهم لم يكونوا هنا و كأن عمرو هم ضيف الحفل و هي مزحته ...
**********
استيقظت مبكراً لأنها نامت
مبكراً أو بتعبير أدق هربت مبكراً متحججة بالصداع فعمرو اختفي و معه منال و الجميع
لاحظ ذلك و كان الهروب هو الحل الأفضل و لكي تهرب من التفكير استسلمت للنوم لهذا
استيقظت مبكرا ثم أخذت حماماً بارداً و خرجت ترتب غرفها ثم فتحت الشرفة و راحت
تستنشق نسمات الهواء فأعجبها الجو فقررت النزول قبل استيقاظ الجميع ، وقفت أمام
خزانة ثيابها عدده دقائق حتى ارتدت فستان قطن أخضر في لون الحشائش الناعمة قصير
بدون أكمام تحته شراباً قطنية أبيض و ستره قطنية بيضاء في طول الفستان و وضعت
حجابها البسيط الأبيض المزين ورود خضراء رقيقة ثم اتجهت عند باب غرفتها فتحته
بهدوء ونظرت للتأكد أنه لم يستيقظ أحداً نظرت يمين ويساراً ثم دخلت أحضرت حذائها
المطاط الأبيض ارتدته و دلفت خارج الغرفة أغلقت الباب ورائه وسارت بهدوء في الممر
ثم هبطت الدرج بنفس الهدوء ثم أكملت سيرها حتى الباب فتحه و أصبحت خارج البيت ..
وقفت تمطط جسدها و تستنشق نسمات
الهواء العليل التي لفح وجهها في رقة و بهدوء أكملت سيرها إلي الجانب اليمين لتري
المجري المائي عن قرب ، كان طويل جداً يتعدي عرض المنزل كثير حتى عرضه كبير بحيث
تشك لوهلة أنها بحيرة صغيرة كمان أن الأشجار تحيطها في شكل متناغم ، كانت تسير علي
جانبيها بطفولة تتلفت حولها لتري كل شيء حتى اصطدمت بجسد تعرفه جيداً من قبل اصطدمت
به فرفعت رأسها لتجده عمرو كمان توقعت كان يرتدي شورط أبيض و تيشرت أحمر و يضع علي
رأسه كأب أبيض و كعادته وسيماً حد جنونها لكن عينيه هي مشكلتها الكبرى عندما تنظر
إليهما تسبح فيهما و تنسي كل شيء حولها لم تشعر بنفسها إلا عندما قال بصوته
الرجولي :
" صباح الخير"
ابتعدت عنه و نظرت إلي الأسفل
هامسة:
"صاح النور"
"صحيتي بدري ليه كده"
رددت مقتضبة عند تذكرت:
"نمت بدري"
قالتها و سارت أمامه فسار معها
صامتاً نظرت إليه ثم عودت النظر حولها قائلة :
" كنت مع منال أمبارح مش
كده "
نظر لها بضيق :
" مالك و مال منال !"
مطت شفتيها و قالت بشقاوة :
" ي الحقيقة أنا ماليش أي
دعوى بها بس للأسف كتب كتابنا كان أمبارح و أنت سبتني و مشيت معها .. طيب الناس
اللي جوه دول يقول غصبك علي الجواز مثلاً !"
ضحك عمرو رغماً عنه ووضع كلتا
يداه في جيبه و نظر إلي المدى البعيد قائلاً:
"أنتي عاوزه أيه يعني !
"
"أنا مش عايزه حاجة أنا
متقبلة الأمر الواقع و أني كلها كأم شهر إن مكنش كأم أسبوع و أحمل لقب مطلقة لكن
لازم تقنع اللي جوه دول أننا كنا مرتاحين مع بعض في الأول و لما قربنا لاقينا أننا
مش مناسبين فأطلقنا لكن من الأول كده مش طايقين بعض ها يقولوا حاجة من أثنين يا
أنا غصبتك علي الجواز يا لاقيتني مع وجبة الغداء و قولت تجربني !"
ضحك عمرو علي طريقة حديثها و
نظر لها ملياً ثم سألها :
" يعني أعملك أيه يعني
"
" يعني تمشي كل يوم شوية ،
تعمل نفسك بتسأل عليا كده يعني نتكلم شوية
صغيرين كل يوم "
نظر لها بسخرية :
" و تحوري عليا ثاني صح ؟
"
ابتلعت بصعوبة ثم قالت :
"بلاش أتكلم عشان أنا
محورتيه وحشه أتكلم أنت و متقلقش أنا بحور بس مش بفتن "
ابتسم لها ثم همس بصوت خفيض :
"ليه قولتي عكس الحقيقة
"
تنهدت :
" ساعات كثير العكس بيكون
هو الحقيقة و الباقي هو اللي كذب"
"أزاى؟!"
" أنت اللي ها تتكلم مش
أنا علي فكرة"
نظر لها ملياً فاتسمت هي :
"مش ها أفتن و الله ..
اعتبرني زى أختك الصغيرة كده وقول "
انفجر عمرو ضحكاً و ظل ينظر لها
و يضحك كالمجنون تماماً فسألته بتعجب:
"طيب ضحكني معك طيب "
ظل يضحك هكذا و هي تنظر له
متعجبة حتى هدأ قليلاً :
"أصل أخر ما كنت أتخيل أن
مرآتي تقولي اعتبرني أختك الصغيرة .."
قالها و انفجر ضحكاً مرة أخري
بينما هي تلاقت الكلمة بصدمة هي الآن زوجته أن واقع هذه الكلمة علي أي فتاة جبارة
ينمي أحاسيس أخري دخلها همست من بين شرودها:
" مرآتك .."
و كأنه فجأة اكتشف وقع الكلمة
أنه زوج لفتاة لا يعرف عنها شيء سوف يطلقها بعد أن يأتي عمه ويرحل و سيصبح عالق بها
طوال العمر و حتى و أن كان الزواج صورياً نفض رأسه سريعاً و استدار قائلاً :
" يالا نرجع زمانهم صحيوا"
و سار في طريق العودة دون أن يستمع
رأيها فسارت ورائه شاردة هي الأخرى في طريقتها المرحة مع عمرو عد أن تركها أمس ما الذي
يخطط له عقلها دون علمها و بماذا تشعر كلما اقتربت أن كل شيء يبدو متدخلاً عندها هي
لا تعرف شيء أغمضت عينيها بقوة علل كل هذا يصير حلماً لكنها أصدمت بشجرة قصيرة فأبعدها
عمرو و أمسك رأسها بين يداه و تفحصها قائلاً:
"خالي بالك بقي بدل ما يجيلي
ارتجج في المخ من كثر ما بتتخبطي كده "
ابتسمت و هي ترفع عينيها لأعلي قائلة:
"دماغي كويسة علي فكرة خلاص
بقي نزل أيدك ولا ما صدقت"
أبعد يداه عنها و هي يحرك رأسه يميناً
و يساراً :
" يا ساتر عليك بت فظيعة "
وضعت يداها حول خصرها :
"أنا بردوه ولا أنت اللي نازل
بهدل فيا ولا كأني فلبنية مثلاً و أنا ز ي العبيطة مش عارفه حاجة "
" بس خلاص بس أنا ساكت أهو"
قالها واستدار عائداً و هي بجانبه
وصل إلي باب المنزل فتحه بالمفتاح الذي يحمله و أفسح مجالاً لدخول نهلة و دلف هو ورائها
أغلق الباب و نظر لنهلة التي تقف فاتحة عينيها علي وسعهما تنظر في اتجاه الأريكة و
قبل أن ينظر إلي ما تنظر له وجد من يتعلق برقبته قائلاً:
"أزيك يا دكتور عمرو ؟ .. وحشتنا
خالص "
يـتـبـع...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق