بعد مرور أقل من سبعة أيام و لا
تعرف ماذا حدث ولا كيف حدث كل ما تعرفه أنها تجلس في سيارة أجري بجانب ليلي خالة
والدتها الجميلة عائدين من المطار إلي شقتها في محرم بك ، نظرت إليه بطرف عينيها
أنها سيدة طيبة حد النخاع بشوشة و حنونة فمنذٌ قرر سفر والديها و هي تحسها علي
العيش معها حيث ستوفر لها كل شيء تحتاجٌ و هي ستكون لها الابنة التي لم يمني الله
به عليه و هي وفقت لما لاقته في عينها من دفئ و حنان و طيبة و وحدة تحتاج لمن
يبددها ، وتم كل شيء في سرعة حتى سافر و والدتها و ودعتهما في المطار حتى عودتها
مع ليلي ، نظرت لها بابتسامة فبادلتها ليلي بابتسامة أكبر ثم أدرت رأسها تقرب
البيوت و الشوارع و وجوه الناس حتى وقفت السيارة في شارع واسطة هادئ حد الراحة
مبانيها حجمها متوسط الطول لا تزيد أكبرها عن عشر طوابق و علي جانبيه أشجار و
محلات للأشياء مختلفة ظلت تنظر له بعمق حتى شعرت بمن يرطب علي كتفيها قائلاً بحنان
:
" أنزلي يا ست نونا بقي
"
استدارت و ابتسم لها و أومت
إليه برأسه و غادرت السيارة بينما ينزل السائق حقيبتها ، رتبت ليلي مرة أخري علي
كتفها و هي تشاور علي البانية التي أمامها قائلة :
"بيتك هنا في الدور الرابع
.. يالا و البواب ها يطلع الشنطة"
"يالا يا طنط "
صعدت نهلة درجات السلم الأمامية
و دلفت إلي مدخل البانية و منه إلي المصعد ثم إلي الطابق الرابع الذي يحوي شقتين
اتجهوا إلي اليمين و دلفه إليه ورائهم البواب بالحقيبة تركها و ذهب مسرعاً أغلقت
ليلي الباب واستدارت تقول :
"بصي بقي ده بيتك قبل ما
يكون بيتي مش عايزه كسوف مني "
نظرت إليه نهلة بمشاكسة قائلة:
" يا لولو أنتي دائما
حبيبتي و ما فيش بينا كسوف"
أمسكت يدها و ازدادت ابتسامتها
أتساع:
" يبقي تعالي أتفرجي علي
بيتك "
"يالا"
سارت معها إلي غرفة نوم ليلي
الكبيرة نسبياً ثم إلي غرفة الصالون المتوسط الأنيق و بعدها إلي غرفة الضيوف كما يسمونها بها فراش
متوسط و أريكة صغيرة و مقعد و منضدة صغيرة وبعدها كان البهو الفسيح به طقم صالون
صغير ثم علي بعد عدده أمتار درجتان صعود إلي طاولة الطعام الصغيرة الحديثة و
أخيراً قدتها للغرفة الأخيرة فتحت الباب قائلة :
" و دي أوضتك يا حبيبتي
"
دارت نهلة بعيونها فيها كانت
غرفة كبيرة بها فراش و خزانة ملابس و مرآة متوسطة عليها أدوات تجميل و مكتب أنيق و
مقعد كبير مريح بجانب شرفة كبير امتلأت ملامحها بالسعادة و الراحة و نظرت إلي ليلي
:
" مش عارفه أقولك أيه
الأوضه تجنن بجد متشكرة أوي "
" عيب كده يا بنت أنتي
بنتي .. علي فكرة ما فيش منظر بحر من البلكونة زى عندك هنا بتشوفي الشارع "
نظرت لها بلمحة حزن:
" هنا المكان هادئ و مريح
أوي و الشارع نظيف و يريح الأعصاب .. هناك دوشة و زحمة و ناس مش فاهمها هنا بجد جميل"
احتضنها ليلي مرطبة علي حجابها
قائلة :
" المكان هناك اللي في
بوظه لخطبه كيانه أنما هنا ها تقدري ترتاحي و تعملي اللي نفسك فيه"
رفعت رأسها من علي كتفيها
قائلة:
" ربنا يخليكي بجد بقي
"
" يا بكاشة أنا ها أروح
أعملك أكل سريع كده عقبال ما ترتبي هدومك"
ابتسمت لها رافعه أحدي حاجبيها
:
" أوعي تعملي أكل مش
بحبه"
ضربتها بخفة علي رأسها و اتجهت
إلي الباب ينما ظلت نهلة تحملق في الغرفة و فما أصبحت فيه من ليلة و ضحها تنهدت
قليلاً و وقفت أمام المرآة تراه وجهها المبتسم بشرتها البيضاء المحمرة و عينيها
البنيتين وجسدها الصغير الرشيق ثم فكت حجابها ليسترسل شعرها الأسود الفحام علي
كتفيها في رقة حتى يصل إلي منتصف ظهرها لأول مرة تنظر لنفسها و تسألها ماذا حدث و
كيف حدث لم يستوعب عقلها كل هذه التغيرات بعد فوضعت حجابها بعشوائية و ذهبت تفتح
الشرفة علل الهواء يجعل عقلها يستوعب ، استنشقت الهواء بقوة وهي تنظر للشارع
الهادئ الذي يقطع هدوئها مرور سيارة كل فترة و أغمضت عينيها تفكر لكن جاءها صوت
رجولي ساخر قائلاً:
" هي ليلي خلفت القمر ولا
أيه"
رفعت نهلة رأسها لأعلي لتري
صاحب مصدر الصوت الذي تردد من أعلي ، كان شاب في أواخر العشرينات تتدلي رأسه و
كتفيه من النافذة بدا لها قوي البنيان حاد النظرات بعيونه الفولاذية السوداء و
ابتسامته غير المريحة لها فاستنكرت وقالت :
" أفندم"
"لا أنا بسأل بس هو القمر
يبقي بنت طنط ليلي "
طرقت نهلة الأرض بأحدي قدميها و
أطلقت زفيراً قوياً قائلة :
" اللهم ما طولك يا روح
"
قالتها و دلفت إلي الداخل بينما
اتسعت ابتسامة معتز قائلاً بصوت مرتفع :
" هطول أوي يا قمر إن شاء
الله "
"معتز أنت بتكلم مين"
انطلقت هذه الجملة من فم دعاء
التي تقف في الشرفة الواقعة فوق شرفة معتز الذي لم يحتاج للنظر لمعرفة من يتحدث
فهو يعلم صوتها جيداً لذلك لوح لها بيده قائلاً بضيق:
"ارحميني بقي يا دعاء ..
مش كده يا شيخه"
ثم دلف إلي الداخل تاركاً إياها
و الدموع تملأ عينيها ..
كانت نهلة تجلس علي الفراش و
شعرها مسترسل علي كتفيها في انسيابية مكورة يدها واضعة إياها أسفل ذقنها سهامها
عينيها في اللاشيء تفكر فيما حدث في الأسبوع الأخير منذ أن جاء شريف مساعد عمها
ليعلن لوالدها عن عقد العمل و السفر والمال الذي حرمه منه بعد موت جدتها كلا
والديها لم يفكر كثيراً بل أنها تعتقد أن قرر السفر كان حاضراً منذ أن ظهرت العقود
و بعد القرار تم كل شيء في سلاسل حتى هي انتقلت للعيش مع ليلي في سلاسل و كم وجدت
المنزل مريح و الشارع هادئ كما تفضل لكنها كانت حائرة سمة سؤال كان يشغلها طوال
الوقت هل كانت سعيدة مع أسرتها؟ لا تعرف إجابة لهذا السؤال هي فقط تعرف أنهم
مختلفين عنها كثيراً لا يربطهما شيء سوا الدم و الحب و بالنسبة لها هذا يكفي و ما
يتبقي تستطع أن تجعله لنفسها و تتطور منها حتى تشبه هي نفسها ، لابد أن يتوقف
الإنسان عن إشغال نفسه بالبيئة المحيطة و فيما كانت تشبه أو لا يجيب فقط أن يحاول
تطوير نفسه حتى يشبه البيئة التي يريدها ، و كأنها تحاور نفسها و اقتنعت بما تجوبه
تنهدت برضا متمنية حياة أفضل هنا في أرجاء تلك الشقة و بالأخص تلك الغرفة المريحة
جاوبت أركانها بعيونها و توقفت عند حقيبته نهضت و حملتها بصعوبة واضعة إياها علي
الفراش و بدأت تخرج منها أشياء لتضعها الثياب و الحقائب والحاسوب الشخصي و الكتب
أشيائها التي لا تستطع الاستغناء عنها ..
"نهلة يالا تعالي كلي
"
قالتها ليلي و هي تضع الطعام
علي الطاولة جعلت نهلة نهلة تترك ما بيدها و تذهب إليها :
"أنا جيت أهو "
"يالا أقعدي كلي "
ابتسمت لها و جلسوا سوياً يلتهمون الطعام و
التلفاز يعرض أحدي الأفلام بجانبهم ، نظرت ليلي إلي نهلة ثم قالت :
"تعرفي بقي ليا زمان بأكل
لوحدي "
ابتسمت نهلة و قالت بعفوية:
" في ناس بتعمل كل حاجة
وسط ناس و بتبقي بردوه لوحدها "
" كنتي حاسة أنك لوحدك
هناك "
" كنت حاسة أني مختلفة هنا
.. غريب عن كل حاجة .. غريب عني .. عن أصلي .. كان في سد بين روحي و جسمي .."
مرت لحظات صمت تستوعب ليلي ما
قالته نهلة في شرود كان يتردد دخلها هاجس بأنها تشبه في أحاسيسها ففي صغرها كانت
تشعر كم تشعر نهلة الآن و ترسبت دخلها
أحساس بجعلها تنسي ذلك الإحساس المؤلم و تعيش عمرها .. أفاقت بصعوبة من تورد
الأفكار و الذكريات علي رأسها و ابتسمت لنهلة قائلة:
" نهلة الفرصة اللي أنتي
فيها مش بتجي لكثير لكنها جتلك و تقدري تستغليها وتعيشي حياة جديدة هادئة حياة
تكون شبهك"
"أوعدك أني ها أتمسك بها
بكل إرادة عندي"
رطبت علي أناملها و ابتسمت
تسألها في ود :
" أنتي في سنة كأم جامعة
بقية"
"أنا في ثالثة تجارة "
و فجأة تعالي صوت الجرس فنهضت
نهلة وهي تضع الحجاب علي رأسها بعشوائية ثم
فتحت الباب فاتسعت حدقة عينها وقالت باستنكار:
" خير؟! "
ابتسم الشاب الواقف أمامها
بلزجة مقيتة و قال بهدوء :
" كل خير يا آنسة ،
العمارة نورت و الله "
زفرت نهلة بقوة :
" أنت وبعدين معك يا جدع
أنت بقي ! "
جاءت ليلي من خلفها قائلة :
" في أيه يا نهلة "
" البني آدم كان بيعاكسني
من البلكونة و ده الوقت جاي يهزر مش عارفه مالوا ده "
" أنت لحقت يا معتز ..
أدخلي أنتي أوضتك ده الوقت و أنا ها أشوف حكايته "
نظرت له باستنكار و اتجهت صوب الغرفة
بينما دخل معتز صائحاً :
" طيب ليه خلتيها تتدخل من
غير ما نتعرف"
" أدخل أنت كمان عشان يومك
طويل معايا "
سار معتز إلي الداخل و أغلقت
ليلي الباب و سارت خلفه ..
************
انتزعه صراخ الهاتف من غياهب
النوم فتح عينيه بصعوبة بالغة و مد يديه يلتقط الهاتف واضعاً إياها علي آذنيه:
"الو .. الحمد لله يا ماما
أنا كويس .. لا عمي مكلمنيش .. راجع هو و بنته شيرين .. خلاص قبل ما يرجع ها أكون
عندكم في البلد و معايا عروسة .. مع السلامة"
يتـــبع ...
كملي جامده جدا
ردحذفحاضر
حذفشكراً جداً :)
حلو اوى
ردحذفبس ليه تقريبا نص الحلقة الاول هو نهاية الحلقة السابقة
اللى بيرد على التليفون فى الاخر افتكر عمرو
مبدعة دايما يا سارة حلوة اوي
ردحذف