الاثنين، 16 سبتمبر 2013

قدر طفلة "قصة قصيرة"










مسحت قطرات العرق المتصببة علي وجنتيها من شدة السخونة للمرة العاشرة .. الطريق أمامها مكدس بالسيارات و البشر لا يتحرك .. فلاحت نظراتها لزوجها الذي يجلس علي عجلة القيادة في ضيق واضح واضعةً أناملها الصغيرة علي يده لتهدئه و تخفف من ضيقه فهي سبب نزولهم في هذا الوقت المزدحم و لكن ألا يستحق الخبر كل هذا الشقاء ؟ .. ابتسم زوجها لها و قد فهمها ما ترمي إليه فابتسمت له أيضا بصبيانية .. ولاحت نظراتها مرة أخري لتلتقط منديلاً أخر لتجفف القطرات التي تصبب منها و عندما همت بقذف المنديل وقع بصرها علي فتاة تجلس في السيارة المقابلة تبدو صغيرة رغم كل ما تزين بيه وجهها من أصباغ ورغم ثيابها القليلة إلا أنها تبدو صغيرة , و لكن لم يلفت نظرها كل هذا أن ما يعرها هو شعورها بأنها رأتها من قبل و لكن كان وجهها يبدو أصغر .. أغمضت عينيها بقوة علها تتذكر ..
و فجأة شعرت ببرود تسري في جسدها الصغير حتى أنها ضمته بكلتا يديها و تكونت أمامها قطرات المطر تهبط مترنحة علي زجاج شرفتها في منزل عائلتها .. نعم فقد تذكرت .. نعم رأتها قبل ستة سنوات من خلف ستائر شرفتها ..
كانت صغيرة تسير وحيدة في الظلام ..ثيابها القليلة ممزقة .. أطرافها مشققة .. مرسخة ببقع سوداء كبيرة .. كانت في الطرقات صقيع .. و من السماء ينهمر المطر .. أجبرها ذلك الراجل لتجلس هنا .. لتتسول له منذ الصباح و حتى غروب الشمس ..بلا مأوي .. بلا شيء يحميها من المطر .. فالسحاب سقفها والخوف غطاؤها  .. و كأنها لا تمت بصلة لبشر .. خرجت مع خروج النوة الهوجاء لتسكت نداء الجوع فلا مهرب.. إن لم تمد يدها سيصبح مجيئها إلي الدنيا خبر .. انقضت ساعات و ما مازلت الصغيرة منتظرة .. لم يقف لها أحد من المارة أو الراكبين هرباً من الماء المنهمر .. بكت .. صرخت معدتها من سكين الجوع ..  ثم سقط تلتوي علي الأرضية المبللة بالماء .. و لم يلتفت أحداً و كأنها
حشرة يغرقها المطر .. ثم سقطت في وسط الشارع .. و لم يتوقف أحد ليحمل طفلة صغيرة .. حتى هي  لم تستطع الخروج من خلف ستائر غرفتها .. فشقت دمعة حارة طريقها فوق وجنتيها ارتطمت بقلبها .. و لم تتحمل , اندفعت خارج منزلها محاولة للحاق بحياتها حتى وصلت حملتها إلي منزلها .. خلعت عنها ثيابها و عالجت جراحها في سكون و أعطتها ثياب و أطعمتها و أعطتها ما يكفي من نقود لتعود لأهلها و رحلت بعد هدوء النواة .. و اليوم تراها أمرآة صغيرة في سيارة بثياب عارية و أصباغ أخفتها براءتها و طفولتها و تردد سؤال في ذهنها" أن كانت تتسول في الماضي لتأكل بلا مقابل؟ أتتسول الآن لتأكل ولكن بعد أن وضعت جسدها مقابل؟ "
فجأة شعرت بأن البرد ينقشع من حولها و قطرات الماء تتحول لقطرات عرق ساخنة و أنامل حانية تهزها لتفتح عينيها .. بعد برهة أيقنت فيها أنها مازلت مقبض علي جسدها و عينيها مغلقتين , فتحهما و أزالت قبضتها من علي جسدها و نظرت لزوجها الذي بدا أن القلق تمكن منه بعد رؤيتها هكذا منطلقاً بالسؤال الطبيعي "ما بكِ عزيزتي ؟ " ارتخت عضلات جسدها و لاحت ابتسامة صغيرة منها متجه نظراتها للفتاة واضعة يدها علي أحشائها قائلة"لا شيء عزيزي فقد أفكر في نوعية الجنين الذي ينمو الآن داخلي , و أتمني من الله أن تكون طفلة حتى أعلمها متى تكون أمرآة و لمن!"
و فتح الطريق أخيراً و سارت كل سيارة في طريقها .. و عاشا ...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق