الاثنين، 9 سبتمبر 2013

"حـذاري من الحــب" نوفيلا 18







كان قاسم يجمع حقائبه ويرحل بعد أن يائس من الاستمرار فهو ليس شطاناً متجسداً معهم ليفعل أكثر لكنه أصر أن يختم حفلة وداعه بكارثة ، شرع يودع الجميع في برود مصطنع حتى لمح عمرو ونهلة ينزلان الدرج سوياً فنهض في اتجاههم قائلاً:
"كان لازم أسلم عليك قبل ما أمشي"
رسم عمرو ابتسامة صفراء غلي شفتيه قائلاً:
"مع السلامة يا عمي"
ثم اتجه إلي نهلة التي أمسكت بعمرو أكثر قائلاً:
" أنا أسف لو وجودي كان غير مرغوب فيه يا مدام لكن سامحني كان لازم أتأكد من جواز عمرو"
رددت نهلة:
"تتأكد؟؟!!"
ابتسم بخبث:
"آه أصل أخوي والد عمرو كان كاتب زى وصية لما عمرو متجوزش قبل سن التاسعة و عشرين و كان قاصد هنا أنه ميتمش ثلاثين و هو لسه عازب زيه يعني أخد أنا المزرعة أدرها لحد ما يتجوز لكنه هو في ظرف أسبوعين قبل سفري كان متجوزك أكيد كان في بينكم قصة حب كبيرة .. مش كده ؟"
نظرات نهلة خاوية صامتة و غضب عمرو ظاهر لم يكتمه و لم يحاول بل صاح:
" مع السلامة يا عمي "
ابتعدت قاسم و هو يودع شمس المصدومة مرة آخري قائلاً:
" مع السلامة يا حاجة .. و سلمي علي والد و والدة مرآت أبنك اللي شغالين بره من كأم شهر في مصنع و شركة صاحب أخو الولد "
قالها و سار ناحية الباب و خلفه شيرين تاركين المكان في حالة أشبه بالصدمة و أقرب للبركان الذي علي وشك الانفجار ...
بعد لحظات من عدم الاستيعاب بدأت تستوعب الأمر و تتذكر حديث ليلة أمس التي سمعته من خلف الشرفة و أدركت أنها أسلمت نفسها لحلم و أنه الآن ينتهي ليوقظها و يعيدها للواقع ، ابتعدت عن عمرو و هبطت تجلس علي الدرج منتظرة أن يبدأ أحدهما الحديث ...
أكثرهم صدمة شمس التي لم تعرف أي من هذه الأشياء فوقفت تصدد النظرات لعمرو و نهلة نظرات استفهامية تطلب من أحدهما الشرح لكن أحداً لم يجيب و كأنهم اتخذوا من الصمت درعاً فحطمته بصوتها الغاضب :
" حد فيكم يفهمني في أيه ؟"
ابتلعت نهلة أنفاسها و نهضت موجها حديثها لعمرو:
"أعتقد أن عمرو هو الوحيد اللي فاهم كل حاجة و هو اللي لازم يفهم حضرتك "
هتفت شمس:
"تعالي معايا يا عمرو.. حالاً"
حاول أن يتكلم لكنها نظرت له بحدة فتابعها و هو ينظر لنهلة التي تقف ساندة ظهرها إلي الدرج تنظر أمامها ظل يتابع والدتها حتى اختفي معها داخل أحدي الحجرات.
تنهدت نهلة قائلة:
" طنط ليلي ياريت تحضري هدومك عشان أحنا ماشين ده الوقت "
هزت ليلي رأسها لتفيق من ذلك الموقف بينما هتفت بعدها بلحظات بغضب:
"أنتي كنتي عارفه بقي أنه أتجوزك عشان يخلص من عمه و بعدين يطلقك "
أجابتها بهدوء:
"آه كنت عارفه"
صرخت :
"و أنتي أزاي تقبلي حاجة زى .. أزاي تعمليها وليه ؟"
"ليه ؟ .. أقولك ليه عشان كذبت عليه قولتله أد أهلي محترمين و أنهم مش جريوا وراء فلوس و سبوني فهمته أن أحنا عائلة محترمة بجد .."
صمت لحظة ثم أردفت:
" أنتي أكتر حد عارف أد أيه الصراحة هنا صعبة .. أنتي بعدتي عنهم أول ما جتلك فرصة بس الوضع اختلف هو كان وحيد مكنش عنده أهل يسألوا .. كان لازم أوفق و أخلصه من اللي وقعته فيه لأنه كان كويس معايا لما عرف أنى بكذب قالي لازم تخلصني و كان لازم أوفق .. ده الوقت لازم نمشي و قدامنا وقت طويل تعاتبني فيه.."
قالتها واستدارت صعدها إلي غرفتها و دقائق تابعتها ليلي إلي غرفتها هي الأخرى لتلملم أشيائها ...
****************
 جلس يسترد أنفاسه بعد أن سرد لوالدته كل شيء بينما والدته ترمقه بنظرات غاضبة لحظات مرة كالدهر حتى قررت شمس أن تقطعها قائلة:
"روح طلقها يا عمرو "
ابتلع عمرو أنفاسه مجيباً إياها:
"ماما نهلة مختارتش أهلها .."
قاطعه:
"عارفه مش حكم عليها بالموت لكده .. بس مش ها يسبوها تعيش هنا لوحدها لا دول ها يدخلوا يبوظوا حياتك و حياتها و حياة أولادك اللي لازم تفكر فيهم .. صعب تبعدهم عن أهلها و يا خوفي لو طلعوا زيهم .. عشان لازم تطلقها و يمشوا أنهارده "     
لم يجيب بل نهض مغادراً الغرفة و ظلت والدته ترمقه بنظرات حزينة حتى أختفي ..
صعد عمرو الدرج ركضاً إلي الطابق الثالث و منه إلي غرفة نهلة ، وقف أمام الباب لثوان ثم فتحه ليجدها ترتب أشيائها في حقيبتها لم تلتفت حتى له فهتف بها :
"نهلة بلاش الطريقة دي "
وضعت ما في يداها في الحقيبة و استدارت تقف مواجهاً له:
" عايز أيه يا عمرو ما هي دي آخرة الحكاية و أنا و أنت عارفينها "   
"يا نهلة أنا .."
"أنت أيه ضحكت عليا عشان عايز عروسة قبل ما عمك يجي عادي أنا كمان كذبت خلصيني "
اقترب منها يلامس شعرها فابتعدت صارخة:
"أبعد عني يا عمرو .. أنا واثقة أن مامتك طلبت منك أن تطلقني و أنت  مقتنع و عايز و أنا كمان بطلب منك ده.."
صمتت لحظة قم أردفت:
"أحنا عمري ما نكون لبعض .. أنا سايبه نفسي ليك لاغت عقلي و مشيت بإحساسي و ده كان غلط و لازم نفوق من الحلم علي أنك تطلقني "
" نهلة أسمعني بس و قدري موقفي وقتها .."
قاطعته وهي تبتعد:
"أطلع بره سيبني أرتب هدومي و أمشي بهدوء .. أطلع قولك"
زفرة عمرة بضيق قائلاً:
"نهلة أرجوكي أسمعني"
أجابت نهلة بصوت يشوبه البكاء:
"أرجوك يا عمرو خلاص وقت الكلام سيبني أمشي .. ممكن؟"
لم يستطع عمرو الرد كان يعرف أن كل هذا لن يغير شيء فخرج بهدوء تاركاً إياها تبكي في صمت كما كانت تفعل مسبقاً أنها استرددت كل آلامها مضافاً عليهم ألم جديد ...
*********
خرجت من غرفتها تحمل حقيبتها و أمامها ليلي نزلت الدرج و هي تنظر في جميع أنحاء المنزل حتى وصلت للبهو كان عمرو يجلس علي أحد المقاعد يرتدي حلة رسمية كأول مرة قابلته فيها نفضت عنها تلك الذكري و سارت في اتجه الباب بينما نهض هو يتبعها لكن ليلي أوقفته متسائلة:
"طلقها و أبقي أبعت الورقة و أحنا ها نأخذ القطار و نرجع "
ابتلع أنفاسه و استدار لها:
"مش لدرجة دي .. في الطريق ها نعدى علي أي مأذون و أرجعها بنفسي"
"أنا ها أركب القطار  محتاجة أركبه .. أنا مشفتش منك حاجة وحشه عشان كده طلب منك ترجعها بسرعة و كفاية اللي حصل"
لم يستطع عمرو الرد ابتلع أنفاسه وهمس :
"حاضر"
خرج عمرو ليجد نهلة تقف عند الباب و فيما يبدو سمعت كل شيء فتركت له الحقيبة يحملها و ركبت السيارة ، أخد هو الحقيبة و دلف سيارته قادها بصمت حتى وصل إلي المأذون أنهوا كل شيء ثم عادوا مرة أخري للسيارة بصمت ...
  أوقف السيارة أمام شارعها المكتظ بالناس و الأصوات التي تتعالي بألفاظ غريبة بشعة في هيئته غير هيئتهم التي تسمم بالسوقية و البشعة المفرطة فشعر بكل حرف من حروف كلمة "لستّ أشبهم " علم وقتها أنها كانت تعاني كل حرف فيها و شعر أن سحابة الحزن التي طفت علي وجهها هي أقل كثير مما يكمن في داخلها ، لم يدري ماذا يقول لم يعرف ما الكلمات المناسبة التي يجيب أن تقال في هذا الموقف ، تنهدت بحزن و لملم بضع كلمات من هنا و هناك فتح شفتيه ليقولهم لكنهم تسربوا إلي طيات النسيان حاول أن يبحث عنهم مجدداً لكن آته صوتها المحمل بالحزن:
"متحاولش تدور علي كلام مناسب تقوله .. عشان مواقف كثير مبيكونش ليها كلام مناسب و مواقف أكثر مبيكونش ليها كلام .."
استناده بيده علي المقود و زفرة بطئ كأنه يخرج شيء من علي صدره ثم بلل شفتيه و تطلع أمامه قائلاً:
"نهلة أنا كان نفسي إن كل حاجة تكمل "
تطلعت هي الأخرى أمامها قائلة بشجن:
"أنا كمان كان نفسي و مش ها أكذب عليك أنا كنت بضحك علي نفسي و أعمل مصدقة بس كان في حاجة جويا بتقولي أنه مش ها يكمل عشان الفرق الكبير اللي بينا صعب نتخطى أو نعمل كأننا مش شايفنه عشان هو أكبر من أننا نط و نعدي للناحية الثانية كنا لازم ها نقع في النص .."
ألتقطت أنفاسها و هي تمسح سهم الدموع المنطق من عينيها ثم أردفت:
"الناس في الدنيا دي طبقات هي كده متقاسمة أنواع و ..."
قاطعها عمرو :
"لا يا نهلة ما فيش طبقات و غني و .."
قاطعته هي بحشرجة:
" لا يا عمرو في طبقات اللي يقولك ما فيش يبقي كذاب أو بيحاول يجمل حقيقته ، بس الناس مش مقسمين طبقات عشان ناس ساكنة في قصور و ناس ساكنة في حواري لا يا عمرو الناس طبقات من ناحية الرقي و الرقي مش بيتقاس الفلوس .. لا ده مقاسيه الأخلاق و التعامل و الثقافة و التصرفات و المبادئ هنا الناس طبقات عندك طبقة أهلك ناس راقين بجد أخلاقهم عالية و تصرفاتهم دائماً بعقل و يبرعوا شعور اللي حوليهم و مثقفين .."
وقفت تسترد أنفاسها و التفت تنظر لشارعها ثم أردفت:
"عندك أهلي بقي و الشارع بتاعتنا حاجة فظيعة بجد .. أهل ماما مثلاً  تخيل أنت عايش وسط ناس مش شبهك مش مثقفين ولا متعلمين من أصله أخلاق تقريباً ضيعة الغلط يصلحوا بغلط المهم يختفي و محدش يعرفه و كأنه ربنا مش شايف و طريقة التعامل مالهش وصف ألفاظ متتسمعش بتّقال عادي كلام و نميمة علي بعض زى الدود بيأكلوا في بعضهم و بطلوا يفهموا من زمان دماغهم أتبرمجت علي الفهم الغلط و مش بيسمعوا لحد كلمة مناقشة ميعرفهوش أصلاً و التصرفات بقي غلط في غلط عك منتهي العك و ما فيش مبادئ ولا قيم مصلحتي و مش مهم أي حاجة لدرجة أن الصح وسطهم شاذ أما عائلة بابا فا هم ناس محترمين جداً دكاترة جامعة و مهندسين و محاسبين ومحامين ومدرسين ناس عندهم ثقافة و طريقة في التعامل .."
هزت كتفيها بمعنى عدم المعرفة:
" الله و أعلم إذا كان تصرفاتهم و تعاملاتهم و أخلاقهم صح كلها رغم أني عارفه أنهم كويسين و محترمين أوي .. أصل يعني أنا من زمان مش شفتهم زى ما تقول كده قرروا يبعدوا و مش بلومهم عندهم حق يخافوا علي دماغهم و علي أطفالهم وقتها يعني .."
صمتت لحظة ثم أردفت :
"عارف بتوجع لما تعيش في مكان كلمة من فضلك فيه مضحكة أو غريبة و بيوجع أكثر لما تبقي تعيش وسط أب و أم مش شبهك و مش عارفين يفهموك أو يقرب منك و مؤلم أوي يكونوا بيحاولوا يخلوك تتصرف غلط و أنت صح .. كنت بتوجع أوي لما بكون بقراء كتاب و إلا ماما بتقولي أيه الهبل ده ضيعتي الفلوس في حاجة عبيطة و بتوجع أوي لما بكون بعيط و يعقدوا يضحكوا عليا و يتريقوا ولما بيقولوا كلام يوجع ويرجعوا بمنتهي البساطة يقولوا أحنا بنهزر و لما بيشتموا قدامي  ولما صحابي عرفوني علي أهلهم و أنا لا عشان خايفة يعملوا حاجة تكسفني دي بتوجع أوي .."      
نظر عمرو إليها بعينين مبتلتين بالدموع لكنها لم تكن أفضل حالاً فكان وجهها مغطي الدموع من آثر البكاء الصامت و يداها تفركان بعضهم البعض بحثً عن دفئ أو أمان ، فمد أنامله ليلامس أكتفها لكنها أبعدتهما فقال:
"نهلة أنتي ملكيش ذنب ولا يد في أن دول يبقوا أهلك "
أجابته ببكاء دون أن تنظر له:
"عارفه أني مش اختارتهم و أني مش ها أعرف أغيرهم رغم أني حاولت والله بس خلاص فات أوان التغير بس غصب عني يا عمرو والله الموضوع صعب تخيل كده كل ده بيحصل قدامي و أنا طفلة يعني  لو كنت مش بقراء و مش بتفرج علي أفلام ومسلسلات بنظرة غير نظرتهم كنت ها أبقي شبههم و زيهم كده بخاف و أقعد أشكر ربنا .. آه يمكن تقولي حولي تبعدي و تستقلي بحياتك و تطوري نفسك أكثر معك حق بس ها أفضل منهم الإنسان مرتبط باسم أهله أيا كان ولد أو بنت دائماً لازم يكون ورائك حد و حتى هم مش ها يسبوني في حالي غير أنى معدمة و قدامى سكة طويلة أوي عشان أعرف أستقل و أرتاح .."
لأول مرة يشعر بالعجز و يتخطي الحزن كل حواجزه فاندفع قائلاً:
"نهلة أنتي ممكن ترجعي و .."
قاطعته بنحيب:
"أرجوك متقولش كلام في لحظة تأثر عشان هو مش ها ينفع .. عارف ليه عشان الجواز مش واحد و واحدة بيتجوز بعض و خلاص الجواز ارتباط بين عائلتين لو كل عائلة معندهش مساحة للعائلة الثانية بيفشل وبيدمر .. يعني أبسط مثال في الفرح لما تلاقي أهل العريس منتهي الاحترام و الأخلاق و الرقي و أهل العروسة آسفة في الكلمة بيئة فساتين و ميكب فظيع و كلام بصوت عالي  و ألفاظ متتقالش و ضحك بطريقة وحشه و اللي بيحط أكل في كيس واللي بيرقص بطريقة مخجلة ولا رقاصات من بعد الفرح تعامل عائلة العريس مع العروسة ها يقل خالص إن مكنش ها ينعدم عشان أي تصرف بيوضح جزء من شخصية صاحبه ولما الناس دي تعمل كده قدامهم يبقوا من ورائهم أفظع و لما ها يتعاملوا مع العروسة حتى لو كانت أميرة جزء ها يتريق و جزء ها يتجنب و جزء ها يتعاطف و يحتويها و من الطبيعي أن أهلهم يتجمعوا في أي مناسبة ها تقلب بفضائح العريس قصد أهله أو أصحابه وهي ها تبقي موجعة و ممكن رغم حبهم لبعض يتخنقوا و تحصل مشاكل ده لأن الإنسان دائماً مرتبط بأهله و الجواز شركة كبيرة بين عائلة وعائلة "
صمتت لحظة ثم أردفت :
"ثم أني أخاف علي ولأدي لما يسألوني علي أهلي مش ها أعرف أرد ولا ها أعرف أوديهم عندهم أصل عندنا بيشتموا ويتصرفوا غلط قدام الأطفال و أنا عايزه ولأدي كويسين أكثر مني عشان كده طول عمري عارفه أني مش ها أتجوز لأني لا عمري ها اقدر أتجوز واحد شبههم و أظلم نفسي و أظلم أطفال مالهمش ذنب .."
ثم نظرت له :
" ولا أفضل معك و أظلمك و أظلم أولادك .. تصدق أني عمري ما قرأت رواية أو شفت دراما أتكلمت بجد عن الطبقات إلا من خلال الغني و الفقر و دائماً الاثنين مثقفين و عشتهم هادئة وبيتهم نظيفة بس الفلوس قليلة مع أن المشكلة مش مشكلة أتوبيسات و لا فلوس قليلة المشكلة عقل . عقل يقدر يطالب بحقوقه عقل مبقش موجود دائماً بيتكلموا عن الناس دي و هم باصين من الدور العاشر "
تنهدت بآسي ثم قالت:
"الأحسن تبقي حكايتنا ذكري جميلة أديتني طاقة أكمل .."
ابتلعت أنفاسها و نظرت له ثم ابتسمت بحزن من وسط دموعها :
"شفت بقي أن المواقف اللي زى دي بيكون سكوتها أحسن من كلامها عشان بيوجع  "
"أنا آسف "
"أنا كمان غلطانة كذبت عليك من الأول عشت دور مش دوري .. تقدر تقول أننا غلطنا بطريقة متعادلة أنا كمان آسفة"
نظرها بحنان مرتبطاً علي كتفيها قائلاً:
"طيب أوصلك لحد ليلي "
هزت رأسها مشيرة بالرفض :
" الأفضل أرواحلها أنا لوحدي"
قالتها و حملت حقيبتها الصغيرة و فتحت باب السيارة قائلة :
"مع السلامة يا عمرو "
همس عمرو من بين شفتيه بحزن:
" مع السلامة يا نهلة "
غادرت نهلة السيارة فأنطلق بها عمرو بسرعة جنونية كانت عينيه مليء بالدموع و الحزن و الألم يكاد لا يري شيئاً أمامه حتى أوقف السيارة أمام أحدي الشواطئ النائية دلف منها ثم اتجه إلي أحد الصخور وجلس عليها و شرد في حديث نهلة و للأسف كان كل حديثها واقعي صحيح لم يعثر علي ثغرة واحدة كانت تعرف جيداً وضعها و وضعه .. بكي لأول مرة في حياته بكي كطفلاً صغير وحيد قليل الحيلة ...
لم تكن أفصل منه حالاً بل كانت أسوء كانت في حالة بكاء صامت أمام البحر في محاولة لغسل نفسها و الراحة ولكن كانت أعبائها أكثر بكثير مما تستطع أمواج البحر غسله كانت تعلم تماماً وضعها و ظروفها و راضية باختيار الله لكنها تشعر بالوجع و المرارة في كل الشيء حتى الحب لم يترك لها سوي مرارة ...
سمعت نغمة الرسالة في هاتفها أخرجته بطئ و فتحتها لتجد كلمة واحدة
"بحبك" بكت وهي تبتسم كم مؤلم أن تبكي حين تبتسم ...
سمع عمرو نغمة هاتفه نظر إليها و فتح الرسالة التي كانت ردً علي رسالته و أيضاً فحواها كلمة واحدة "بحبك" ، بكي مبتسماً هو الآخر و المرارة في حلقه ...
دقيقين و أخرج كلاً منهما خط هاتفه و قذفه إلي البحر فابتلعته الأمواج بجنون كأنها تتألم معهم لكنها تظهر و كأنها معتادة علي ذلك المشهد وكأنه يحدث دائماً أمامها فأصبحت تتألم له باعتيادية ...
أنقلب الجو رغم الصيف و صار البحر و ارتفعت أمواجه و شرعت تهب و ترتفع و كأنها تحذر .. تحذر من الحب الذي لم يحرم خوف شهرزاد و لم يحيي هوي روميو و لم يخف من قسوته علي ليلي و لم يحتد من عذاب عبلة تحذر من يرتد العاشقين بحور العشق بغير طوق نجاة !! ...

تمت بحمد لله ...

هناك 6 تعليقات:

  1. قلمك رائع لاشك في هذا
    ولكن جميع روايتك نهايتها حزينة
    تحتاج الي جزء تاني لمعرفة ماذا حدث لنهلة وعمرو
    ارجو الا تكون قصتك القادمة كئيبة اكثر من هذه

    ردحذف
    الردود
    1. بشكرك جداً علي متابعتك :)
      أولاً دى نوفيلا مش رواية يعني حكاية أصغر من الرواية
      ثانياً النهاية أنا مخترتهش لحبي في الحزن لكنها كانت أقرب للواقعية بحيث لو كانت غير كده كنتى هتحسي أنها مفيش هدف و مناقتش قضية
      بالنسبة لجزء تانى فمظنش أن ينفع لها جزء تاني دى النهاية أنهم افترقوا لكن الحياة متوقفش
      بالنسبة للنوفيلا الجديدة
      فأن إن شاء الله هتكوني بوليسية يعني بعيدة تماماً عن الحزن الكئبة
      بالنسبة لأخر نقطة سلسلة الانتظار نهايتها مكنتش حزينة هى كانت مفتوح بس و اتقفلت علي راحة من الكل لو كنتي قصدك عليها

      في النهاية بشكرك جداً و أتمني تفضلي متابعني :)

      حذف
  2. قصة واقعية لدرجة الالم و البكاء
    طبعا اسلوبك الرائع فى سرد الاحداث لا خلاف عليه
    فى انتظار القصة القادمة

    ردحذف
  3. متشكرة أوي أوي ليكى
    إن شاء الله النوفيلا الجاية بوليسية
    اتمنى تتابعي وتعجبك
    نورتى :)

    ردحذف
  4. قصة رائعة جدا وواقعية جدا رغم اني كنت اتمنى لها نهاية سعيدة بس عارفة كل قصة او رواية ليكي ببقى طول وقت قرائتهة نفسي امسك البطل واقطعوا حتت واحرقو وبعدي ادهسو

    ردحذف
    الردود
    1. متشكرة جداً :)
      أنا كنت اتمني ليها نهلة سعيدة بس الابطال هم اللي بيختاروا نهايتهم بأيدهم ..
      ههههه تقصدى زياد طبعا بس عموماً متقلقيش مش كل أبطال قصصي وحشين تابعي و هتلاقي فيهم فارسان بجد :)
      نورتي المدونة :)

      حذف