صعدت الدرج وهي ترقص وتغني متناسية كل شيء حولها
حتى وصلت إلي غرفتها ظلت تتراقص حتى وصلت إلي فراشها جلست تخلع حذائها و امتدت
يداها إلي حجابها و كادت تخلعه لولا صوت غلق الباب فرفعت بصرها لتجده مرة أخري ذلك
الكهل الغليظ الذي يرعبها ...
نظرت له برعب و شخصت عينيها ثم أنزلت يداها من
فوق حجابها و ابتلعت أنفاسها و هي تنهض متسائلة بتلعثم:
"حضرتك..... حضرتك عايز أيه"
وضع كلتا يداه في جيب بنطاله بصعوبة لبدانته
المفرطة و نظر إليها من أحمص قدامها العاريتين حتى شفتيها المضمومتين في رعب و
عيونها المرعوبة فابتسم ابتسامة كبيرة مظهرة أسنانه الصفراء :
"مالك أتخضتي كده ليه "
ابتعدت قليلاً :
"حضرتك مقولتش عايز أيه !"
"بسأل علي عمرو "
" عمرو بره مع شريف .. مش هنا"
اقترب منها متجاهلاً حديثها السريع فابتعدت عنه صائحة
:
"حضرتك رايح فين "
"مش عايزه
تعقدي تحكلي أتعرفتي علي عمرو أزاي و أمتي"
ابتلعت أنفاسها و لملمت شجاعتها صائحة بأعلى
صوتً:
"أكيد .. حنان يا حنان تعالي يا حنان"
سمعت صوت ركض ثم أنفاس متقاطعة حتى ظهرت حنان
أمامها بالكاد تتنفس فتنفست الصعداء قائلة:
"ها تعبك شويه يا حنان ياريت تخدي أستاذ
قاسم لتحت و تنادي علي طنط شمس تعقد معه .."
ثم التفت له :
" و نعقد تحت نحكي في حكاية معرفتي بعمرو
إنما أوض النوم مش للحكاوي "
نظر لها ضيق و توعد للأسوء لكنها لم تلحظ ذلك
كأنه يحاول إيصال تلك الرسالة لها لكنها أغلقت جهاز الإرسال منذ دخوله فخرج ينفخ
دخان لفافته في عصيبة بينما صاحت نهلة:
"أقفلي الباب يا حنان .. رجل رخم يا
ساتر"
أغلقت حنان الباب و جلست أمام الشرفة بينما دخلت
نهلة إلي الحمام لتأخذ حماماً بارداً لكنها خشت أن يأتي مرة آخري لذلك طلبت من
خنان المكوث معها ...
*************
طرق عمرو باب منزل شريف طرقة واحدة هادئة وانتظر
حتى فتح شريف بثياب المنزل استقبله و هو يفسح له كي يدخل :
"أدخل يا عم ده بيتك "
دلف عمرو بطئ تطلع حوله للحظة تنفس الصعداء حين
لم يجد منال ثم سار إلي أقر مقعد وجلس و أمامه شريف الذي سألته بساطة:
"تشرب حاجة يا عمرو "
"متشكر .. المهم قولي أيه الحاجة المهمة
اللي عايزني فيها "
نهضت شريف إلي طاولة الطعام في آخر البهو و
التقط من عليها ملف كبير أزرق و عاد به إلي عمرو قائلاً بجدية :
"بص يا سيدي جتلنا لجنة من الضرائب بتقول
أننا مش ضيفين المصنع ده لتعاملات و طلبت كشوف حسابات المصنع من السنة و لعشر سنين
وراء المشكلة بقي أن في دفاتر مع .."
قاطعه عمرو بتفكير:
"قاسم عمي .."
" بالظبط يا عمرو قاسم عمنا لازم نأخد
الدفاتر دي منه و إلا ها ندفع مبلغ و قدره و بصراحة خسارة في حاجة زى دي "
شرد عمرو لدقائق ثم تحدث متسائلاً:
"طيب قولي لو دفعنا ها يقصر جامد "
"أبداً بالنسبة لكل يبقي ولا حاجة .. بس
لازم الدفاتر ترجع عشان مش كل سنة ندفع نفس المبلغ"
"طيب سيبك من الموضوع ده أنا ها أتصرف معه
فيه "
"ماشي يا أبن عمي بس خد بالك عشان عمك في
الفلوس يبيع نفسه و يعمل أي حاجة في الدنيا و أنت عندك ناس مهما كانوا غراب عنا
"
تنهدت عمرو و هو يهز رأسه و يفكر في كل ما يحدث
و بالأخص تصرفات عمه المريبة هو لن يتخل عن ذلك المصنع الذي أفني والده حياته فيه
بل فارق الحياة بسببه مرت سحابة حزن علي عين عمرو حين تذكر والده لكنه سمع صوت
ساخر جعله يفيق :
"أيه ده دكتور عمرو أتكرم علينا و جاي
يزرونا"
أفاق عمرو من شروده و نظر في اتجاه الصوت ليجد
منال تقف عند بداية الدرج بقميص نوم و روب فحول نظره إلي الأرض ناهضاً ثم تحدث
لشريف :
"معلش يا شريف أنا مضطر أمشي "
"خليك يا أبني أتعشي معانا عشان منال تتأمل
فيك شوية "
رفع عمرو حاجيها بدهشة متسائلاً:
"تتأمل فيا أزاي يعني !!"
ضحك شريف واتجه ناحية منال المتخشبة كثلج محاطاً
إياها من خصرها قائلاً:
"أصل يا سيدي منال عندها أعراض حمل يعني
90% حامل"
للحظة تجمد عمرو ابتلع أنفاسه و نظر لها ثم
ابتسم قائلاً:
"مبروك يا منال .. مبروك يا شريف خالي بالك
منها بقي و اهتم بها وكفاية شغل"
اتجه شريف لعمرو و احتضنه قائلاً:
"حاضر نخلص من حكاية الضرائب و نسافر يومين
كده"
"قريب ها نخلص منها .. قريب أوي "
"إن شاء الله"
" يالا أسبيك أنا مع مرآتك عشان أروح أتعشي
أنا كمان مع مرآتي"
" ماشي يا عم .. مع السلامة"
"سلام"
خرج عمرو من بيت شريف وهو يشعر بشيء غريب في
جوفه حمد الله علي أن نهلة رأته و جعلته يفيق مما كان مقدم عليه تمني السعادة
لمنال و شريف من أعماق قلبه مع أنه يعرف أن منال لن تسكت أبداً لكنه يتمني أن تفعل
كي لا يزيد عبءً أخر عليه فيكفي ما عنده ...
************
التفوا جميعاً حول طاولة الطعام شمس في المقدمة
و ليلي علي يسارها وسلوى علي يمينها بعدها شيرين و بعدهما عمرو في بشاشة و نهلة في
حالة شرود لاحظ عمرو ذلك فمل عليها قليلاً هامساً:
"مالك يا نهلة ؟"
أفاقت نهلة و نظرت إليه ثم عاد للنظر في طبقها
مرة آخري هامسة:
"ما فيش عندي صداع بس"
"طيب كلي و أطلعي ارتاحي "
قبل أن تجيب تسألت شمس في بساطة:
"أنت اتفقت مع نهلة ها تعملوا الفرح أمتي
؟!"
نظر عمرو ونهلة إلي عضهم البعض ثم تحاشي كلاهما
النظر للآخر و مرت لحظات صمت طويل حتى أجاب عمرو:
"لسه محددنش يا ماما بس غالباً بعد سنة رابعة
بتاعتها"
"و ليه مش دلوقتي و تكمل في بيتك بدل ما تفضل
لوحدك "
"لا يا ماما مش ها ينفع"
تركت نهلة المعلقة من بين أناملها مصدرة صوت رنين
نهضت و هي تمتم بكلمات غير مفهومة فنظر الجميع
إلي عمرو الذي نهض هو الآخر دون أن يتحدث ...
*****************
جلس عمرو في ركن غرفته يدخن بشراهة يفكر في نهلة
الذي أحتار من أمرها ولا يعرف كيف يخرج نفسه من تلك الحكاية خصوصاً أن عمه مازال
هنا و يخشي أن يحدث شيئاً غير المتوقع خصوصاً أن نهلة أصبحت نقطة ضعف له ، أصبح
عقله لا يتوقف عن الطن و التفكير لكنه وسط كل هذه الأصوات التي تدور في عقله سمع
طرقات علي باب غرفته نهض من مكانه و اتجه إلي الباب فتحه ليجدها تقف أمامه قصيرة
عنه كثيراً ترتدي روباً قطيناً طويلة وحجاباً خفيفاً أفسح لها الطريق دخلت ثم أغلق
الباب فدخلت ثم استندت علي الباب هامسة:
"أول مرة جتلك كان يوم كتب كتابنا "
ابتسم ثم اقترب منها يزيح عنها حجابها لم تعترض
حتى أنها تركته يفك رباط شعرها و يخلع عنها روبها ليظهر قميصها الأسود القطني و
عندما انتهي و واقف يطلع إليها سألته:
"عجبك كده؟"
"مالك؟"
"يا عمرو أنا مش فاهمك بتقرب مني وفي نفس
الوقت بتعبد ها أتجنن منك"
تنهد وجلس علي الفراش قائلاً بصدق :
" يا نهلة أنا محتارة مش فاهم حاجة عندي
مشاكل كثير كله جاي مع بعضه ها أتجنن "
رق قلبها له فجلست بجانبه مررت أناملها علي شعره
قائلة:
"طيب أحكلي يا عمرو "
نظر لها عمرو ثم رفع عينيه لأناملها التي تلمس
شعره فأمسكها وقبلها بهدوء و جذ إليها لتستقر بين زراعيه ناظراً إلي شفتيها و
كالعادة استسلمت هي دون أن تقاوم فكاد يقبلها لولا صوت طرقات الباب العنيفة والصوت
الغاضب:
"أفتح يا عمرو .. أفتح يا دكتور"
يـتـبـع...
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق