الأربعاء، 4 سبتمبر 2013

"حـذاري من الحــب" نوفيلا 15







بينما هي تركض وخلفها حنان اصطدمت بجسد قوي عريض فتراجعت للخلف متأوها ثم رفعت نظرها لتجد شخص كبير في أواخر عقده الخامس أو أوائل السادس شعره رمادياً ملامحه غليظة ينفث دخان سيجارته فتظهر أسنانه الصفراء المقززة فيهتز جسده الضخم فشعرت بخوف منه كادت تبكي  لكن ما جعل الدموع تتجمع في عينيها هو صوته الغليظ الذي اخترق آذانه كصاعقه :
"أنتي بقي مرات عمرو ؟!"  
 ابتلعت أنفاسها و نظرت إليه بخوف تسرب من دخلها إلي كل كيانها ثم همست :
"آه أنا "
ابتسم ذلك الكهل ابتسامة كبيرة أظهرت أسنانه الصفراء المقززة ثم مد أنامله في اتجاهها كانت خشنة كبيرة :
"قاسم الوالي عم عمرو الكبير .. كبير العائلة"
لم تدري ماذا تفعل لا تود أن تلمس أنامله لكنها ممدودة استسلمت و رفعت أناملها في بطئ إليه لكنه التقط أناملها في قوة ضاغطً عليها كأنه سيكسرها و نظراته تتجه إليها نظرات غريبة مقززة مثل كل شيء فيه ، سبحت أناملها منه بصعوبة و تممت ببضع كلمات لم تفهمها هي نفسها و ركضت علي الدرج إلي أسفل و استندت إليه تلتقط أنفاسها بصعوبة فصاحت شمس :
" مالك يا بنتي .. مش عارفه تأخذي نفسك كده ليه !"
وضعت يدها علي صدرها و كأنه ترطب عليه ليهدأ و التقطت أنفاسها بصعوبة قائلة:
"أصل ... أأأ .. أنا كنت بجري "
فهتفت ليلي في خنق:
" و تجري ليه داخلة مسابقة "
أجابتها شمس :
" مش عارفه .. تعالي أقعدي هنا و أهدي كده"
ثم صاحت :
" حنان كوبية مياه بسرعة "
اتجهت نهلة لتجلس جانب شمس بينما آتت حنان بكوب المياه فتجرعته مرة واحدة ثم هدئت شيئاً فشيئاً ، ثم آتها صوت ليلي الغاضب:
" طول اليوم في الأوضة أمبارح و مشفنش وشك الكريم "
أجابت مقتضبة"
" كنت تعبانه و مش قادرة أنزل يا طنط و الله "
رتبت شمس علي ليلي و ابتسمت:
"عروسة بقي و من حقها تدلع "
همت ليلي بالرد لكن سبقتها شيرين الجالسة أمامهم بجانب سلوى متسائلة:
" دي عروسة عمرو!!"
زفرت شمس ثم التفت إلي نهلة :
"أعرفك يا نهلة شيرين بنت قاسم عم عمرو "
ثم التفت إلي شيرين :
"نهلة مرآت عمرو "
تبادلت كلا من شيرين ونهلة النظر لبعضهما البعض في ضيق فكانت شيرين تعتبرها أقل بكثير من أن تكون زوجة لعمرو و نهلة تشعر ناحيتها مثلما تشعر ناحية والدها الذي أخافها حد الموت منذ قليل فتمتمت كلاً منهما بكلمات لم يفهمها أحد و صمتوا لدقيقة ثم اندفعت نهلة متسائلة:
"عمرو فين يا طنط "
التفت شمس إلي نهلة بعدما كانت تتحدث مع ليلي قائلة:
"في الأستطبل باين و كانت مستنكي تفطروا سوا .. قومي روحيله "
همت نهلة بالرد لكن قاطعتها شيرين و هي تنهض قائلة:
"أنا رايحه معاكي"
تطلعت نهلة إليها بتعجب ثم نهضت متسائلة بغباء مصطنع:
"رايحه معايا فين !"
"عند عمرو أصلي عايزه أشوفه"
"قومي شوفي صورته أنما تروحي معايا أنا فين ! هو أنا رايحه الملاهي مثلاً "
التفت لشمس قائلة:
"أنا ها أروح لعمرو يا طنط "
سألتها شمس من وسط ضحكاتها :
" عارفه المكان "
"ها أسال حنان أو حد من اللي بره .. عن أذانكم "
تضايقت من ضحكاتهم عليها لكنها عادت ثانياً لموهبتها الوحيدة الثرثرة فصمت الجميع و نهضت سلوى بتثاقل متجاهلة حديثها:
" أنا ها أروح أبارك لشيماء بنت عمي علي ولادتها عشان مباركتلهش "
نهضت ورائها ليلي و من بعدها شمس قائلة :
" خدينا معاكي نباركلها أحسن أنا دماغي صدعت"
تابعتها ليلي :
" ومين سمعك يا حاجة "
سار الجميع في اتجاه الباب و خرجوا واحدة تلو الأخرى تاركين شيرين تثرثر واحدها ، لم يعلموا بعد أن المثرثر لا يهتم بمن يسمع بقدر ما يهتم بعد التوقف عن الثرثرة ...
***************
ظلت تسبر لعشرون دقيقة و أكثر تبحث بنظرها هنا و هناك كان كل شيء كبير حولها كبير عن حجمه الطبيعي عشرات المرات ففكرت في نفسها أن عمرو يعد من أغنياء العالم ليس مصر فقط لكن هذا أخر ما يشغل بالها ما يشغلها الآن هو عمرو أنها تشتاق إليه بجنون كأنها لم تره منذ أيام وليس ساعات ، نظرت حولها فلم تجد إلا بعض العاملين فاتجهت إلي أحدهم قائلة بهدوء:
" من فضلك متعرفش دكتور عمرو فين"
التفت إليه وهو يشير تجاه مدخل بعيد نوعاً ما قائلاً:
"حضرتك الدكتور في الجنية دي .. و ده مدخلها "
"متشكرة أوي "
عاد إلي عمله بينما اتجهت إلي المدخل الذي أشار عليه لكنها لمحت عمه يمتطي حصاناً و هو ينظر لها بنفس الابتسامة المقززة فركضت مدخل البستان دلفت منه لتقع عينيه علي أكثر مكان جمالاً رأته عينيها ، كان بستاناً رائعاً مليء بالورد بمختلف ألوانها و أشكالها في منتصفه يبقع المجري المائي في خط سيره و كأنه بحيرة متجزئة من ذلك البستان فوقه كوبري خشبي صغير يصل بين الجانبين و  علي جانبيه عدده مقاعد قليلة خشبية ، سارت بهدوء تبحث عن عمرو تخطت المجري إلي الجهة الأخرى و حث بنظرها لتجد عمرو واقفً أمام أحدي الأشجار فركضت إليه تهتف :
"عمرو"
ترك عمرو الغصن الذي كان مسكه و التفت إليها فوجدها تركض نحو و تتعلق رقبته و تحول أن تضم نفسها إليه لكن قصر قامتها يمنعها فطوقها و رفعها إليه ضاماً إياها رطب علي حجابها ليهدأ فقد كانت ترتعش أوصالها فضمها إليه أكثر حتى كاد أن يدخلها إلي صدره و هو يهمس بجانب آذنها:
"أهدي يا نهلة .. مالك؟"
طوقته بزراعيها أكثر و همست له:
"أصلي شفت عمك و خوفت .. مش عارفه ليه بس خوفت"
تفهمها تماماً فشكل عمه بالنسبة لتلك الهرة مخيف تتطرق خاطره لشيء أخر لكنه نفضه عن رأسه سريعاً و رطب علي كتفيها:
"خلاص أنا معاكي أهو متخافيش خالص ، ولا أنتي بتلككي عشان تتشعلقي في رقبتي كده زى أمبارح"  
ابتعدت عنه و ضرته علي كتفه ضرة خفيفة والتفت عائدة فسبقها معترضاً:
"علي فين يا مجنونة"
"ماشية عشان أنا جتلك خايفة و أنت بتقول بتلكك"
ضحك و هو يمسك أناملها قوة قائلاً:
"طيب خلاص متزعليش و متخافيش من حاجة .. قوليلي فطرتي"
نظرت إلي الأسفل هامسة:
"أنت مش قولتلهم أنك مستنيني عشان نفطر سوا .. "
"آه يا ست نهلة شوفي الساعة كأم و أنا لسه مأكلتش و أتعشيت تفاح بس "
تدرجت و جنتيها بحمرة خفيفة فضحك عمرو و هو يسير بنهلة إلي مكان ما داخل البستان سارت معه دقيقتين أو أكثر قليلاً حتى لاحظت كوخ   صغيراً في نهاية البستان أنيق المظهر كان علي شكل قوس من الخشب له  عدده درجات ثم أرضً خشبية صغيرة تشبه الشرفة بها طاولة صغيرة و مقعدين و باب خشابي ، وقفت أمامه متسائلة :
"أيه ده "   
"ده يا سيتي مكاني الخاص هنا .. تعالي الإفطار جوه "
هزت كتفيها وصعدت معه فتح الكوخ بسهولة كان متوسطة الحجم من الداخل به حجرة واحدة مغلقة و ممر قصير نهايته المرحاض و المطبخ الصغيرين و بهو به أريكة كبيرة و طاولة مستطيلة بها معقدين و تلفاز متوسط الحجم ، انتبهت لصوت المزلاج فالتفت لتري عمرو و قد أغلق مزلاج الباب الداخلي و يقترب منها محاطاً إياها بيديه و الأخرى تمتد إلي حجابها لتنزعه عنها لكنها أمسكت به قائلة:
"بلاش يا عمرو .. أصل .. "
أنزل أناملها من علي حجابها و شرع يفكه قائلاً:
"أنتي مرآتي يا نهلة يعني متقلقيش ده لا حرام ولا عيب "
كان قد نزع عنها حجابها و فك عقده شعرها فأندثر حولها في إثارة عض عمرو شفتيها قائلاً بصوت أجش صادق:
"أنت شبه الفراولة أوي "
تدرجت نهلة بحمرة دامية فالتقطت عمرو أناملها و آخذ يقبلها بجنون لكنها انتزعتها منه و اتجهت إلي الطاولة الموجود عليها بعض الأطباق المليئة بالطعام ، ابتسم عمرو و هو ينظر لبرأتها و اختار للحظة هل تعلق بها أم أنها تعجبه فقط لا يعرف شيئاً كل الأشياء تطن في رأسه بلا هوادة لذلك قذف بها جمعياً و اتجها إلي نهلة جلس علي المقعد و هي جلست في المقابل فنظر لها نفس عين ثم نهض حاملاً المقعد به وهي تصيح به لكنه تجاهلها و أنزل المقعد بجانب مقعد و استدار يجلس و هو يجذبها إليه حتى التصقت به ثم قال :
"ها تفطري و أنتي بعيدة عني مترين يعني !"
"أنت رخم .. أنا مش بحب أقعد كده"
عبث بشعرها فارتخت قليلاً ثم همس لها:
"يالا كلي يا كاذبة "
كادت تسأله و تتذمر لكلمة كاذبة لكنه أسكتها وهو يطعمها فانشغلت هي الأخرى بإطعامه و كان هذا أول إفطار تستمع به في حياتها كلها ...
*************
 دخلت شمس المنزل تنظر حولها خائفة من أن تجد تلك الثرثارة مرة آخري لكنها لم تجدها فتنفست الصعداء و دخلت تجلس أمام التلفاز لكنها سمعت سعال أحدي الأشخاص ، سعال غليظ تعرفه جيداً و تمقته بشدة  فقالت دون أن تلتفت :
" خير يا قاسم "
ضحك قوة و اتجه إليه قائلاً بفظاظة :
"دائما معاملتك معايا كده يا شمس عنيفة "
"اللي عملته مش شوية و ده الوقت كمان عايز تكمل مع عمرو مكنش كفاية أبوه "  
ضاقت ملامح قاسم و اتجه يجلس علي المقعد المقال لها:
"اللي حصل زمان كان غصب عني "
"اللي حصل زمان كان برضاك و علي هواك و اللي اضر أدهم ،أدهم اللي كانت كل الناس بتحلف بأمانته وشرفه تخلي أنت يستورد حاجات صلاحيتها منتهية و تسافر بفلوسك وتسيبه و عقبال ما براءته أتثبت كان مات .. و ده الوقت جاي تكمل علي عمرو أبني أنسي أسمحلك"
أكفر وجه قائلاً:
"نبيع المصنع و آخذ حقي و أسافر و مش ها تشوفوا وشي ثاني"
"الكلام مع عمرو و تقريباً هو رفض يعني وصلك الرد "
نظر تجاهها نظرات شيطانية هامساً:
"أخر كلام "
لم تجيبه و تجاهلته تماماً فنهض من أمامها و هو يعرف تماماً ما الذي سيفعله و مع من ستكون لعبته الصغيرة ...
***************
وقفت تغسل الأطباق بعد إن أنهوا الطعام هو لم يطلب لكنها احتاجت للاختلاء دقائق بنفسها لتلملم أعصابها و تستعيد رباط جيشها الذي ينهار أمامه لا تعلم ماذا يفعل به لما حين تكون معه تصبح مسلوبة الإرادة تستلم له فقط حتماً سيجننها هذا الوضع..
فجأة شعرت بأنفاس قوية ساخنة تلفح آذانها و رقبتها و أنامل تفك عقده شعرها لينزل بفوضوي حوله وجهها، حاولت التملص لكن عمرو أحكم امسكها و أدارها إليه هامساً :
" بحب شعرك كده "
ابتلعت أنفاسها و تدرجت وجنتيها لون الدم فهمس مرة آخري:
"مش عايزه تتعلقي في رقبتي "
عضت شفتيها بقوة و صمتت فابتسم هو وطوقها ثم رفعها إليه فما كان منها إلا أنها تتعلق برقبته كالأطفال لكنه هذه المرة كان أكثر جراءة التقطت شفتيها و قبلها ...
فجأة تعالي صوت منير من هاتف عمرو فابتعدت نهلة عنه سريعاً وارتبك عمرو فتركها و خرج يجيب علي هاتفه ، التقطت نهلة أنفاسها و عادت عقد شعرها فكان عاد عمرو و اقترب منها قائلاً:
" الواد شريف الرخم عايزني ضروري .. عيل فقر"
ضحكت نهلة و اقتربت منه:
" عمرو اللي حصل ده المفروض مش يتكرر ثاني عشان .. "
قاطعها وهو يضع أنامله علي شفتيها :
"يا نهلة أنتي مرآتي "
"بس يا عمرو أنت ها تطلقني و .."
قاطعها مرة آخري :
"طيب نكلم بالليل أحسن شريف عايزني ضروري .. ومتقلقيش اللي عملنا حلال و صح و كل حاجة ماشي"
ابتسمت له و سارت أمامه إلي البهو  التقطت حجابها و سترتها و ارتدتهما ثم دلفت معه إلي الخارج ...
وصل معاً إلي البيت الكبير فتح لها الباب وودعها لكنها أمسكت أناملها  بقوة فالتف لها مبتسماً:
"يا بنت سيبني أروح بقي"
"طيب قولي ها نكمل كلامنا أمتي "
نظر لها بنصف عين :
" قولتلك بالليل يا بنت لما أرجع"
" ها ترجع أمتي طيب "
"يا بنت كفاية دلع بقي و أدخلي و كمان كأم ساعة ها تعرفي "
تركت أناملها وهمست له:
"طيب خالي بالك من نفسك"
"و أنتي كمان"
قالها و انتظرها حين دخلت ثم أغلق الباب و غادر إلي شريف .
صعدت الدرج وهي ترقص وتغني متناسية كل شيء حولها حتى وصلت إلي غرفتها ظلت تتراقص حتى وصلت إلي فراشها جلست تخلع حذائها و امتدت يداها إلي حجابها و كادت تخلعه لولا صوت غلق الباب فرفعت بصرها لتجده مرة أخري ذلك الكهل الغليظ الذي يرعبها ...





يـتـبع...

ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق