في صباح اليوم التالي كانت منال
جالسة في غرفتها داخل منزلها مع شريف الذي يبعد عن المنزل الكبير بمسافة قصيرة ،
كان المنزل كبير مقارنة بالمنازل المعروفة و متوسط بمقارنة بالمنزل الكبير يحوي
علي عدده غرف كثيرة مليئة بأثاث أنيقة مرتبة لكنه صام كل جزء فيه صامت خاوي فارغ
ليس فيه حياة حتى في غرفة النوم التي بها منال كانت ساكنة بدون حياة تقبع فيها
وحدها علي الفراش مغلقة الأبواب و النوافذ و كأنها تخشي من الهواء أن ينفذ إليها و
يكشفها و يخترقك وحدتها التي اختارتها .
دلفت نهلة من الحمام إلي الغرفة
لم تبدل ثيابها و لم تخرج منذ الصباح و قررت عدم الخروج كل ما قرقرته هو الجلوس
بمفردها مع أصدقائها الذين لا يفترقون عنها التلفاز و الكتب دوماً كانوا معاً في
لحظات يأسها و ضيقها في بيت أهلها و لحظات سعادتها القصيرة في بيت ليلي و هنا في
اللحظات التي ليس مسمي لحظاتها في بيت زوجها المؤقت أنها تحتجهم اليوم و بشدة كي
لا تبقي وحيدة مستسلمة للتفكير فيما قالته لعمرو بالأمس أو فيما يحدث حولها و كيف
ومتى سينتهي لذا كان القرار الأسلم المكوث في غرفتها وحدها .
لم ينقطع الدخان من نافذة عمرو
و كأنها مدخن لأحدي مصانع الدخان منذ أن صعد غرفته ليلة أمس وهو يغلقها عليه ويدخن
حتى كاد أن يختنق من كثرة الدخان الموجود في أرجاء الغرفة فاتجه ليفتح الشرفة
ويجلس أمامها و كأنه لا يجرؤ علي مطالعة الشمس فراح يقربها من بعيد يفكر في كل
كلمة قالتها نهلة له أمس لكن ماذا يفعل فهو يحب منال منذ أن آتت إلي هنا كانت
جميلة و ذكية و تشبه لكن تزوجت من شريف الذي لا يريدها ولا يكترث بما يحدث لها هو
كل ما يكترث لأمره أموالها التي لابد أن تظل داخل هذه العائلة فيعود هو مرة آخري
ليري كل هذه التغيرات و يقحم نهلة التي كذبت عليه فيهما فأصبح كل شيء مشتت أمامه
يكاد يشعر أن عقله يغلي من كثرة التفكير ..
سمع طرق علي باب الغرفة فصاح
بصوتً مرتفعة:
" مش عايز حاجة قولت ..
سبوني لوحدي "
أته صوت حنان في خفوت خائفة :
" الست الكبيرة بتقول أن
عمك قاسم بك وصل مع شيرين هانم بنته و مستنين حضرتك تحت"
تنهدت بضيق ثم قال بغضب:
" طيب روحي و أنا نازل
ورائكي "
هرولت حنان مبتعدة و هي تطلق
تنهيدة ارتياح بينما أخذ عمرو نفساً غاضباً من لفافته قبل أن يلقيها و ينهض إلي
الحمام .
***********
جلست ليلي بجانب شمس و أمامهم
سلوى و بجانبها شيرين ابنة عم عمرو كان الجميع متحفظون في جلساتهم فليلي تشعر بأن
هناك شيء غير مفهوم و شمس أيضاً تشعر بذلك الشيء و زيارة قاسم و أبنه رغم أن
متوقعة إلا أنها جاءت في غير وقتها جعلتها توتر و تقلق بينما تجلس سلوى متحفظة
تجاه شيرين التي تنظر إلي الجميع بتحفظ و تنظر عمرو ذلك الشاب الوسيم الذي كان
تطرده في الخارج ولم يعبئ بها حتى أنهي دراسته وعاد ، الجميع صامتون في انتظار من
سيفك هذا الضغط عن الجميع ...
و حين سمعوا وقع أقدام عمرو
حولوا نظرهم إليها حتى ظهر علي مقدم الدرج الأول فهبطت شيرين واقفة و ركضت إليه
وحين وصل ضمته بشدة هامسة ببضع كلمات لم يسمعها أحد إلا أن ليلي قد أكفر وجهها و زمت
شمس شفتيها و خجلت سلوى من هذا المنظر فهتفت شمس:
"عمرو"
أبعد عمرو شيرين عنه برفق و
اتجه إلي والدته و خلفه شيرين ألقي تحية مقتضبة عليهم وجلس علي مقعد بعيد نوعاً ما
عنهم بينما رجعت شيرين لمقعدها و شرعت تثرثر عن أبها و عن أحوالها و الجميع
يتابعها بهزات الرأس و بال مشغول بتفاصيل أخري كلاً منهما شارداً في عالمه الخاص
جداً بين دهليز عقله الحائرة .
قاطعت ليلي ثرثرة شيرين فجأة و
دون مقدمات :
"هي نهلة لسه نايمة و لا
أيه ؟!"
صمتت شيرين شاعرة بالحرج بينما
انتبه عمرو للاسم الوحيد الذي يتجنب ذكره منذ الأمس و كأنه يخشي المواجهة التي
ستقام بينه وبين نفسه مجرد سماع أسمها لذا تغيرات ملامح وجه للحيرة وربما الخوف
لكنه تمالك نفسه وهمس بهدوء:
"أصلها سهرت تقرءا لوقت
متأخر "
"طيب أطلع أصحيها عشان
تسلم"
قاطعتها شمس:
"خليكي أنا ها أبعتلها
حنان"
أجابهم عمرو سريعاً:
"لا سبوها ترتاح و تبقي
تصحي براحتها .."
نظرتا له بحيرة لكنهم صمتوا
مقتنعين علي مضض و لاحظ هو ذلك جيداً لكنه تجاهل الجميع و نهض متجه إلي الشرفة
قائلاً:
"أنا طالع أتمشي شوية و
أشرب سيجارة "
هزوا رؤؤسهم بينما عادت شيرين
للحديث بمفردها و لمفردها أيضاً ...
**********
إطفاء لفافة التبغ بقدمه بعد أن
قذفها و اتجه إلي بيت شريف القريب من البيت الكبير طرق الباب و بعد الطرقة الثالثة
ظهرت مال بوجهها الشاحب و منظرها الفوضوي ، ابتلع أنفاسه وعزم علي الحديث مهما
كانت تنحنح قائلاً:
" عايزك يا منال في حاجة
مهمة"
نظرت له نظرة خاوية ثم أفسحت له
مجالاً للدخول ، دخل و التفت هي تغلق الباب ثم ذهبت لتجلس مقابلاً له فبادر هو
الحديث:
"عايز أطلب منك طلب ها
يريحك و يسيبلي فرصة أحل المشاكل اللي موجودة هنا "
سألته بخواء:
"مشاكل أيه؟"
" مشاكلك مع شريف و عمي
قاسم وبنته شيرين اللي جايين لسبب أنا و أنتي عارفينه كويس و مشكلة أبوي اللي موجودة
ولازم تنتهي و نهلة اللي دخلت في كل ده وهي مش عارفه"
استنكرت :
"نهلة!!"
"آه نهلة مستغربة ليه ..
أنا كلها كأم أسبوع و ها أطلقها و ها تبقي مطلقة من غير حاجة أنا بظلمها و بتخلي
عن حاجات كثير من مبادئ .."
صمت ثوان ثم أردف:
" كفاية أنك أنتي اللي
دورتي علي حقيقتها و حقيقة أهلها اللي هي خبته
عني و عرفتني كل حاجة عشان أنتي
عارفه أني بكره الكذب و ده ها يهد كل حاجة معها مش كده ؟"
" بقيت أنا اللي غلطانة
أني حكيتلك و عرفتك قبل ما شريف يعرف ويقولهم و الكلام يوصل لعمك و أطلع أنا في
الأخر اللي غلطانة !"
أطلق عمرو زفرة ثم استرد هدوئه
قائلاً:
" لا يا سيتي مش غلطانة
ولا حاجة بس المواضيع كلها نزلت علي دماغي مرة واحدة و أفضل حل سفرك لفترة صغيرة
سوريا و لما ترجعي يكون كل ده أتحل و أتحددت المواقف"
نظرت له باستخفاف:
"أخرتها أني أنا اللي
أسافر !"
"منال بلاش دور الضحية لأن
محدش فينا ضحية كل واحد أتحمل نتيجة غلطاته "
" عارفه بس سفري ها يبقي
صعب أوي أنا لسه راجعة و ماما و جوزها يدوب استحملوني أخر مرة "
أطرق نظره إلي الأرض يفكر ثم
رفعها مرة أخري :
" طيب الحل ده مريح وسهل
بس تلتزمي به"
" حاضر بس تخلص كل المشاكل
دي "
"تفضلي هنا في بيتك ده و
أنا ها أبعتلك شادية تفضل معاكي و تعمل كل حاجة و تجيبلك كل طلباتك .. ماشي ؟
"
تنهدت بضيق:
"حاضر"
ابتسم لها ثم نهض من مكانه
قالها:
" كل حاجة ها تخلص قريب إن
شاء الله "
ابتسمت و تابعته وهو يسير إلي
الباب تابعته حتى خرج من المنزل و اختفي عن أعيونه فأغلقت الباب و هي تشعر بغليان
الدم في عروقه خشت أن يكون وقع في حب تلك البلهاء التي آتي بها معه لكن لم يكن
أمامها سو المكوث هنا كما قال حتى تهدأ الأوضاع و ينتهي كل شيء وعدها تبدأ معركتها
مع نهلة التي ستفوز فيها حتماً حتى لو اضطرت لاستخدام أساليب قاتلة فهي لن تتنازل
عن عمرو أبداً ...
**************
طرقت حنان باب غرفة نهلة بهدوء
ففتحت لها نهلة لعملها أنها حنان ولا غيرها أدخلتها بما تحمله من طعام و اتجهت
تجلس علي الأريكة مرة أخري متسائلة:
"حد سأل عليه"
وضعت حنان الطعام علي المنضدة و
قالت :
"آه الست الكبيرة وست ليلي
و الدكتور قالهم خليها ترتاح ومحدش يصحيها"
همست بصوت مرتفع قليلاً:
" ما هو طبعاً مش قادر
يوجهني بعد اللي شوفته بعيني "
تسألت حنان بتعجب:
"بتقولي حاجة يا ست نهلة
؟!"
انتبهت نهلة لنفسها:
" ها .. لا ما فيش لو حد
سألك قولي نايمة عشان تعبانه "
"حاضر بس هو حضرتك مش ها
تسلمي علي عم الدكتور"
تسألت بتعجب:
"ما أنا سلمت عليه أول أنا
جيت !"
" لا ده قاسم بك .. أخوهم
الكبير بعد الله يرحمه الحاج أدهم بك كان مسافر و لسه راجع هو و بنته "
نظرت لها نهلة ثم قالت:
"هو كمان عنده عم و بنت
ربنا يستر .. المهم أنزلي أنتي عشان محدش يأخدوا بالوا أني صاحية "
"حاضر أول ما الكل ينشغل
ها أطالع علي طول"
"ربنا يخليكي ليا يا
حنان"
ابتسمت حنان خجل برئ و دلفت
خارج الغرفة بينما شردت نهلة في عمرو رغم كل ما حدث قبل ذلك وما حدث أمس و وجوعها
أمس إلا أنها تشتاق إليه و بشدة ولهذا تؤنب نفسها منذ ساعتين كيف تشتاق إليه بعد
كل هذا و لماذا .
تخشي أن الجواب أمامها و يتعثر
عليها البوح به فكيف تبوح بما سيدمرها إلي الأبد ، كيف تبوح لنفسها ما قتل جوليت و
قسي علي ليلي و حرم النوم علي عبلة كيف ؟.
نفضت تلك الأفكار عن رأسها و
شرعت تأكل وهي تتابع التلفاز في محاولة فاشلة للنسيان ...
************
ظهرت ملامح الخزي علي عمرو الذي
يجلس مع عمه منذ ساعة يتشاركون في حديث لم يخلي من لهجته الجافة و غروره المفرط و
تلميحه لزواجه و المال الذي سيذهب خارج الأسرة و ما أن ضاق عمرو حتى قال بحدة :
"يا عمي هو أنا قدامك بنت
أنا رجال و فلوسي رايحه لأولادي اللي ها يشيلوا أسمي و أسم أبوي .. ما فيش داعي
بقي لكلام أتجوزت من بره و فلوسنا راحت ومرحتش "
نظر إليه نظرة غضب خالصة ثم
هتف:
"أنت حر في فلوسك لكن أنا
عايز حقي كله !! .."
"حق أيه يا عمي هو مش من
سنة 2002 و هو معك كأش و أتنزلت عن كل حاجة ماعدا المصنع القديم "
ابتسم بخبث و أخذ نفساً من
لفافته :
"بتفكرني بأبوك أوي كان دائما
رده جاهز و ذكي بس من ساعة اللي حصل سنة 2002 وهو .."
قاطعه عمرو بحدة:
" الكلام في الموضوع ده خلص
و لو أتفتح ثاني أول حد ها يضر حضرتك و شغلك و إن كان علي المصنع مش ها يتبع نصيبك
ها يوصلك منه كل سنة زى ما بابا طلب "
"المصنع ده قديم شغله علي أده و بجيب ملاليم
في حين لو أتبع ها يجيب ملاهيهن "
ابتسم عمرو:
"أسهامي 60% يعني الإدارة و
القرارات ليا أنا بس و أنا قولت ما فيش بيع .."
ابتسم عمه بخبث و إطفاء لفافته قائلاً:
"هو أن مرآتك و أهل يعرفه اللي
حصل زمان ولا .."
قالها و أطلق ضحكة طويل فابتسم عمرو
بثقة يشعر بعكسها :
"أعلي ما في خيلك أركبه "
قالها و ترك المكان بثبات بينما
شرع قاسم يفكر في مدي احتياج لرؤية زوجة عمرو و أهلها و الحصول علي طريقة لإقناعه بالبيع
أي طريقة تحت شعار الغاية تبرر الوسيلة مهما كانت تلك الوسيلة ...
أنها عائلة غامضة حتى علي نفسها
...
******************
أبدلت ثيابها التي كانت تجلس فيه
ما أن آتي الليل إلي شيء مريح قميص قطني أبيض قصير كانت فضله دوماً فهو مريح بدون أكمام
قصير حد الركبة منقوشاً عليها صورة بطوط كرتونها المفضلة ، شعرت براحة غريبة لجلوسها
وحدها طيلة اليوم رغم اشتياقها الغريب لعمرو حتى كادت تخرج لتراه فقط لكنها تمسكت و
ادعت اللامبالاة حتى علي نفسها ..
حملت حاسوبها الشخصي و جلست علي
الأريكة أخذت تنظر لشيء ما حتى انفتح درج الاسطوانات أخرجت منه أسطوانة ثم وضعت الحاسب
جانباً واتجهت إلي التلفاز وضعت به الأسطوانة و رجعت إلي الأريكة ـ كان جنون منها تحميل
أحدي الأفلام علي أسطوانة لمشاهدته علي شاشة التلفاز لكنه فليماً رومانسياً رائعاً
تعشقه و أرادته أن تسهر معه فبرغم ما يحدث إلا أنه درجة مشاعرها عالية جداً تريد إخمادها
حتى ولو بخيال .
أرجعت رأسها للخلف و حملت جهاز التحكم
و قبل أن تضغط علي الزر سمعت طرق خفيف علي الباب فعرفت أنها حنان رغم أنها تحبها لكن
لم يكن هذا وقتها أبداً ، أنزلت قدمها من علي الأريكة ارتدت حذائها المنزلي و رفعت
شعرها المسترسل بفوضى حول وجهها و اتجهت إلي الباب وضعت يدها علي المقبض وشرعت تفتحه
قائلة:
" لسه فاكره تجي ده الوقت ..."
قطع جملتها لأن الذي يقف أمامها
عمرو ، للحظة لم تعرف كيف تتصرف وقبل حتى أن تفكر كان بعمرو يدخل الغرفة ويغلق الباب
خلفه ...
يـتـبـع...
لازم تحطى لغز فى كل قصة
ردحذفاللى حصل فى سنة 2002 ده هو سر كل مشاكل العيلة دى و لا ايه
لا دي ملهش دعوة بالالغاز والله
ردحذفدى جمل بتتقال أنما هى مش لغز رغم أن هوايتي الالغاز
لكن دى دراما اجتماعية رومانسية
^_^