الثلاثاء، 6 سبتمبر 2016

" لا تخبري ماما " .. موهبة تحويل الضحية إلي جاني متلذذ بالمعاناة .


" كنت أثق في حبها و أعلم أنها تبادلني الحب نفسه ، وبذلك ستطلب منه إلا يكرر فعلته مرة ثانية .. لكنها لم تفعل " .
هل يعتقد الجميع أنها الجملة المناسبة لبدأ كل الآراء حول هذا الكتاب ؟
حسنا الكثير من الآراء حوله بدأت به لأنه الأقوى و الأكثر إيلامًا و الأشد الحقيقية ، تلك الحقيقة التي تجعل أي شيء آخر سواها كذبة باهتة .
لكن سببي مختلف قليلًا ، أنا بدأت بها لأنها القصة و الغاية و المغزى و الموت المتكرر .. لم أقتنع أبدًا بغريزة الأمومة المزعومة لأني أعرف أمهات أكثر ممن تتحدثون عنهن و عن تفاهمهن و تفانيهن في الحب ، أعرف أكثر يتركون أبنائهم ليستمعوا و يروا أسوء ما يفعلون و يحملونهم وزر شناعتهم في سن صغير ، أمهات تكذب و تخون و تسرق أمام أطفالها ، أمهات تتنازل من أجل رجل أو  حياة أو لذة عن طفلها ، أم تحب ابن أكثر من آخر و تداعيات كثيرة في كل مجتمع ..
هل تعرف لما أصبح هناك فلسفة ؟ لأن الإنسان أحب نفسه لآخر درجات الأنانية و أستوي يظلم و ينشر الشر و الحقد و التداعي في المبادئ لأجل نفسه !
الإنسان عدو نفسه ، فكيف يصبح تجاه شخصًا آخر حتى لو كان منه ؟؟
لذا أنا لم أتفاجئ كثيرًا من رد فعل الأم ، لأن حتى الأم يمكن أن تصبغ نفسها بالظلم و سواد القلب و الضمير من أجل رجل جذاب يصغرها بخمس سنوات .
تضايقت كثيرًا من توني و صمتها الدائم و فوق ذلك اقتناعها بحب أمها ، أي حب هذا الذي كانت تظن أنها تكنه لها ؟ أي نوع سادي من أنواع الحب الذي يجعل راشدة تلقي بمصائبها علي طفلة ! و توبخها و تتركها للموت حتى تذهب إلي أبعد مشفى !
بحق ما تؤمنين به ، أي حب ؟؟ .
أنكِ قط لم تملكِ الشجاعة للاعتراف بأنها لا تحبك ، و أنكِ رغم كل الظلم الواقع عليكِ إلا أنكِ حين أصبحتِ مراهقة صمتِ و تركتيه يفعل ذلك ، و ربما أن لم تحملي فإنه كان للآن مازال يفعل ما يفعله معكِ !
أنا آسفة ؛ لكن نحن أيضا مشاركين في خطأ الآخرين بصمتنا و قلت شجاعتنا و كذبنا علي أنفسنا قبل أن نكذب علي أحد ، نخطئ حين نتخلى عن حقنا بصمت حين تباح لنا الفرصة .
و في مرحلة متقدمة من القراءة وجدتِ أن الحيرة انتابتني ، هل أنا معك أم ضدك ؟
أنا التي تعطفت و بكيت معك منذ البداية ، تألمت علي طفلة ظنت أن أمها ستحميها و فجأة وجدت نفسها في لعبة " السر الذي بيننا " ، لكن ماذا عن صمت المراهقة التي لم تخبر أحدًا و لا حتى جدتها الإنجليزية التي وصفتها بالطيبة و الحنان !!
ماذا عن توني التي ظلت تعتقد في حب والدتها بعد أن تركتها تحتضر وحدها ، بعد أن كانت تكذب علي شخص تقابله بشأنها و تعاملها كأنها مصيبة الأسرة !
بعد أن طردتها خارج المنزل في الليل وحدها !!
ماذا عن توني التي حين رأت أمها تجلس تحت قدم أبها صعدت غرفتها لتعلب " لقد عاد والدك ؟ " .. ماذا عن توني التي أخبرت أباها في المشفى أنها ابنته !
ألم تكوني ابنته حين كان في أحشائك طفلًا منه ؟؟
ماذا عن  توني التي لم تواجه قط بحقيقته و لم تواجه أمها بحقيقتها و ظلت صامتة ، ظلت تتقبل كل إساءة و تتقبل بصدر رحب دور الفتاة المطيعة !
هل حين ماتت أمك تخلصتِ من أنطوانيت ؟؟ لا أعتقد !
 أظن هي من تركتكِ يا توني .. هي الشخص الوحيد الذي أنقطع قلبي لأجله !
**

 " توني، يجب عليك أن تدركي الأدوار التي قام بها والديك لانتهاك طفولتك. كما عليك أن تستوعبي وتتقبلي حقيقة أن والدتك لعبت دورًا في معاناتك. هذه هي الطريقة المثلى لتحرري نفسك ممَّا أنت فيه، لأن هذا هو الأمر الوحيد الذي  لم تتقبَّليه حتى الآن "
لم أستطع تقبل حقيقة أنها أصرت في محاضر الشرطة علي أنها لم تخبر والدتها ، ظنت أنها بذلك ستقنع نفسها أنها لم تشارك في معاناتها و أنا أظن أنها السبب الأكبر في تلك المعاناة ، إن كانت لا تقدر قيمة طفل و لا تقدر علي حمايته فلم أنجبت ؟ ألن تكتمل لعبة الأسرة السعيدة دون طفل !
و من أجل لعبة ننجب إنسان ليعذب !! .. لكن لماذا تركته يفعل ذلك ؟
أظن أن القس أيضا أجاب علي هذا السؤال

" الحبُّ هو عادةٌ يصعُب التخلص منها. اسألي أي امرأة استمرت في علاقة سيِّئة مع رجل ثم انتهى الحب بينهما! حتى التي تهرب من زوجها بحثًا عن ملاذ، غالبًا ما تعود إليه مرة أخرى! أتدرين لماذا؟ لأنها واقعةً في حبِّ الرَّجل، ليس الذي يؤذيها الآن، ولكن الذي ظنَّت أنها تزوجته بادئ ذي بَدء "
أعتقد أننا نحول الحب إلي عادة سيئة كلما تجاهلنا عقلنا و أبعدنه عن العقل ، و لا أدري ما سيصفر عن علاقة بلا ضلع غير المعاناة ؟!

**
قرأت عن فترة الخمسينيات مجتمعيًا و سياسيًا في كتب سابقة ، و كنت أعلم مدي انغلاق المجتمع الواحد علي نفسه و مدي سياديته في وضع معايير معينة لكي يقبل شخصًا جديدًا .. و مدي العنصرية التي كانت و التي تزدد إلي الآن ..
أيرلندا من الدول التي تمتلئ بحقبات قاتمة في التاريخ علي المستوي الاجتماعي أو السياسي خصوصًا في مطلع الخمسينيات حيث عدم لفت الانتباه  علي قانون الأطفال و المتابعات الأسرية المستمرة ، و عدم أحقية الطفل الذي يقع تحت ذلك الضغط النفسي بتوفير مكان رعاية و قانون حماية له .
لكن صفة احتراف تحويل الضحية لجاني لم أعرف أنها منذ زمن قديم ، كيف استطاعوا أن يرموها بوزر خطئها علي الصمت .. هل كانوا سيصدقونها حين تتكلم ؟
أشك .. كن أيضا سيقع الخطأ عليها ؟ الأسهل أن يقع عليها لأن الكبار لا تخطئ ، الكبار لا تخطئ أبدًا .. الكبار هم دائمًا علي صواب
لعنة الله الكبار ذاك ..
و قد لخص القاضي ما ستعانيه من المجتمع بعد سجن والدها :
" أنطوانيت، ستكتشفين أنَّ الحياة ليست عادلة. فالناس سيلومونك، فاستمعي إليَّ جيدًا: لقد اطَّلعْت على تقارير الشُّرطة والتَّقارير الطِّبية، وأعرف ما مررت به بالضَّبط. وأؤكد لك أنَّ أيَّا من هذا لم يكن خطأك"
اعتبرتها سيرة ذاتية واقعية صادمة ، تضايقني السير الذاتية التي تظهر صاحبها بطلًا و حصل علي السعادة لأنه ذكيًا و عبقريًا و يستحق ، تفوق بين أقرانه في الدراسة و أصبح المحبوب بين الأساتذة و أخيرًا حصل علي نوبل !!
الحياة ليست وردية ، أنها رمادية أغلب الأحيان و الأذكياء لا يحصلوا دومًا علي الجوائز و لا يتم إنقاذهم في اللحظات الأخيرة .. و تخيلِ أيضا – لا يقف في طريقه الحظ و الأناس الطيبين دومًا .
***
أنا بعيدة عن أن أٌقيم حياة شخصًا ما ، لكني سأقيم الكتاب أدبيًا ..
السرد كان جيدًا ، تعلم متى تتحدث باستفاضة و متى تختصر ، سير الأحداث بشكل ما متماسك و لحظات العودة للملجأ كانت اختياراتها قليلة و جيدة ..
بدا أقرب لرواية من سير ذاتية لكن تعليقات توني الكبيرة كانت تعيدني برفق لأتذكر أنه سيرة ذاتية و هذا أدبيًا شيء جيد ..
الترجمة جيدًا و متفادية الأخطاء الإملائية و النحوية و هذا مريح ..
في المجمل كتاب جيد
و أنا ما تألمت إلا لأنطوانيت الطفلة ذات الستة سنوات و حتى الحادية عشر
التي عانت من أمها و أباها و المجتمع و من توني ..
و تمنيت أن تحظى بالسلام فعلا و تتحرر من الألم
فحين يعطي الألم المساحة ، و يباحى له أن يخرج و  أن نشعر به
في النهاية نتخلص منه .
فكما قال جون غرين  " الألم يطالب بالشعور به " .
التقييم
6.9/10


ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق