السبت، 5 أكتوبر 2013

ولا عزاء للسيدات ..




مقال سـاخر




ولا دايم إلا وجه الله .
عجيب أمر الإنسان .. يتزايد تناقضه بطريقة تكاد تكون هزلية مضحكة جداً .. بل أنها مضحكة فعلاً ..
أنا طوال حياتي لم أذهب لعزاء قط رغم توفره في أغلب الوقت لكنني كنتٌ أمتنع ربما لرهبة الموقف أو لعدم علمي كيف عليّ أن أتصرف و كيف تبدو الوجوه في موقف كهذا ، لهذا كنت أمتنع ..
حتى توفيت زميلة ماما في العمل و أصرت ماما أن تأخذني معها و وفقت علي مضض ، ارتديت ملابسي السوداء و نشيت علبة مناديل ورق احتياطي و روحت مع ماما و في عقلي شريط سينمائي عن شكل العزاء و الناس اللي عيونها حمراء و الحزن مرسوم علي وشها و ما فيش كلام ممكن يخفف عنهم يا تري ها أتصرف أزاي ولا أعمل أيه في الموقف ده !
دخلت الشقة و عيوني بتلف في كل مكان،سارت وراء أمي بخطوات هادئة و عزت كأم واحدة مش عارفهم بتمتمة غريبة و جلست بجانب أمي ..
كان في حالة صمت في المكان غريبة كأننا في حمام تلات انقطعت عنه المياه  و عيون كل اللي فيه مركزة علي حنفية المياه_اللي كانت أنا _ همهمات غريبة من واريا و قدامي فالتصقت بأمي التي كانت تتفحصني بريبة و  فجأة تقدمت أحدي السيدات الملتحفات السواد لكنها امتازت عنهم بوجود وردة حمراء في جانب قميصها اليمين مالت علّي حتى وجدت نصف لحمها فوق عظامي فالتصقت بأمي فهمست السيدة بخفوت "أنتي سارة "
همست أنا أيضاً بخفوت مماثل "آه يا طنط"و كأني أعطيتها أشارة البدء فانطلقت تسأل بلا توقف عن دراستي و عمري و عما إذا كانت عيني عسلية حقيقة و لا تركيب _علي حد قولها_ و إني صحيح بكتب ولا ماما "بتروش " عليهم في الشغل و ...... إلخ
و انتظرت تنهي أسئلتها حتى أتكوم بجانب أمي صامتة حزينة علي أولاد تلك السيدة الجالسين هناك بأعيون حمراء لكنني كنت واهمة لا ده أنا كنت بحلم كمان
فعلي مساحة الأرض التي كانت تشغل حيز نظري بدأت تزحف مجموعة من الأحذية السوداء و الشباشب و الصنادل اللامعة بشكل مذهل و كأنه إعلان عن محل أحذية في منطقة الزمالك ولا المعادي .. و تراصت الأقدام و الأجسام جالسة حولي في نظام مدروس فكل سيدة بجانبها فلذتها التي تشبها إلي حد كبير !
مسكت في ماما و أنا بترجاها نمشي لكنها كانت بتقولي واجب فأخذت أفعص في وجهي و أخبئه بيدي دليل علي رغبتي بالبكاء فامتدت يد ذات أظافر أسود صناعية لترفي وجهي غصباً عني قائلة :" ما تورينا وشك يا حبيبتي ده أحنا أول مرة نشوفك " نظرت لمحادثتي فوجدتها فلزه مبهرجة لأحدي السيدات القادمين من صالون التجميل إلي العزاء مباشراً، أبعدت أناملها الغريبة عني قائلة"سيبي وشي في حاله مش ها يحصل حاجة يعني لما تشوفي ده وش زي أي وش يا .. يا حبيبتي"
ابتسمت فظهرت أسنانها حتى كادت تضحك صوت مرتفع لكن فتاة آخري لحقتها قائلة "شوفتي بنتها عاملة أزاي .. طلعت وحشة خالص " و انطلقت ثالثة"أبنها أحلي ياريت يطلع هنا"
وانطلقت فجأة أحاديث من العدم ليس لها طعم أو رائحة أو حتى مكان و تذكرت فجأة سبب هذا التجمع الحريمي الأكبر علي الإطلاق .. آه نحن في المنزل في عزاء للسيدات فقط
يا وقعة مالهاش قومة ..أنا عندي فوبيا التجمعات الحريمي في مثل هذه المناسبات حيث يختلط كل أنواع الهري و الحديث المؤدي للشلل
العزاء واجب و لكن ألا يمكن أن يتم بدون الزنقة الستاتي وما يحدث فيها ؟ مش ممكن يعني نروح الصوان الرجالي ؟
أخذت أقلص وجهي و أعلن بصراحة كاملة عن امتعاضي لكنني في الحقيقة كنت أعلنه لنفسي فهم لم يكفوا عن الحديث وطرح الأسئلة، وتشعبت أسئلتهم لدرجة أنني اقتربت من الجنون !
"قوليلي يا حبيتي أنتي بيضة طبيعي ولا كريمات ؟ بتحبي مسلسلات أيه و أفلام أيه ؟ صحيح بتكتبي كده زي إحسان عبد القدوس في لن أعيش في جلباب أبي ؟ ما فيش مشروع جواز قريب ؟ شاطرة في كليتك؟ حلو البنطلون ده منين ؟ ...إلخ
و بدأت موجات الغيظ تخرج مني و تغطي علي مراوحي و لأنني أعلم تماماً أنهن يردون التسلية و أنهن أتين إلي العزاء أداء واجب و بر عتب و ممكن يكون ده من أيام تجمعاتهم الأساسية خصوصاً أن أكثرهن أتين في كامل الزينة صحيح يرتدين السواد ولكن علي سنجه عشرة فالماكياج مضبوط و الإكسسوار موجود في شكل السلاسل و الخواتم و الحلق و كله بل أن أحدهن خشت أن تضيع ميعاد التجمع فحضرت بثياب السهر تحضيراً لما بعد العزاء .. لهذا تكورت علي نفسي راجية الله سبحانه وتعالي أن يخلصني من هذه السخافة سريعاً ..
و فجأة قررت أحدهن أن أليطة و شايفة نفسي و دمي سم و مش عايزه أخذ و أدي معهم فقررت الانصراف عني و أثارت موضوع أكثر أهمية فتجمع السيدات حولها و كل واحدة تثير موضوع أكثر أهمية _في اعتقادها _ عن الأخرى ..
فانطلقت أحدهن قائلة"الله يحرمها كان معها كثير " تابعت أخري" ولا كان يبان عليها "مصمصت أخري شفتيها "كانت بتحط القرش علي القرش دي معها كده "
وانتقل الحديث لموضوع ثاني وثالث حتى تألمت أحدهن قائلة"ياي الشوز وجعتني رجلي .. أصلها أحمد من بره بس طلعت ضيقة بس قولت لازم ألبسها دي غالية بخمسمائة جينة " نظرت في عيني فخرج لساني دون إداراتي " ولما تحطي خمسمائة جينة في رجلك أمال في رأسك أيه!!"
أشاحت رأسه عني و تداخلت الأسود مجدداً فأصبحت أسمع جملة من هنا و آخري من هناك
"بس قالي لازم تخشي قولتله ها أشفط قالي ما تعملي رجيم قولته مش قادرة ماما كل يوم تعمل المحمر والمشمر والعيد داخل لا أنا كل ستة شهور أبقي أشفط .. أمال أعمل أيه أوعي تريحيه خلي يحس أنه ها تغدري لو أمن لك ها يبص بره كلهم كده !!"
ولا يفوتكم قسم السيدات المسنات .. سكر و عسل و حاجة كده من الآخر يعني ..
هي البلد دي مال حالها بالشقلوب كده ليه فين زمان .. زمان أسكتي فين أيام ما كان في شلنات و برايز .. كان الواحد يشتري بكام جينة كل حاجة مش دلوقتي الزيت بعشرة جينة و كيلو الطماطم بستة .. ولا الرجالة يا حبيبتي ..رجالة أيه متجبيش سيرتهم أنا نسيت الموضوع ده من زمان ..!!
و في الركن البعيد الهادئ جنب الشباك فلذت أكبدهم واقفوا يتفرجوا علي صوان الرجال مطبقين لكل حرف من حروف كتاب "كيف تصطادين عريساً" ورغم قريتي للكتاب إلا أني ملاقتش فصل كيف تصطادين في عزاء بس يمكن هم ضافوا الفصل ده في الصفحات الفضية ..
و اكتشفت أني ابتعدت عن أمي المصدومة و رحت أرقب كل أولئك النساء في وغماً وغيظاً من هولاء النسوة اللاتي أتين لقضاء بعض الوقت مع بعضهن البعض بغض النظر عن المناسبة "حاجة مش مهم هم في عزاء ولا فرح مش ها يفرق " ووجدتني أضحك أصل كم التناقض بين الموقف و الحال بتاعهم كانت غريب لدرجة مضحكة ..
وعندما تذكرت أحدهن بنتها الباكية تصعب وقالت :" يا أختي ها تقطع روحها البنت" فردت الأخرى "يومين كده و ها تلاقيها أتجوزت محمود زميلنا ما هي أمهم كانت حاطه عينها عليه" فتشنجت فلذت كبد الأخرى "أزاي يا ماما ده معجب بيا أنا"لم تصمت الثانية" لا أنا ده كل بروح لماما البنك و بيعزمني علي حاجة أشربها"
واشتعل الجو فصاحت أحدهن في وجهي" ما تقولي حاجة يا حبيبتي " تلجلجت قائلة" يا جماعة أحنا في عزاء" فرددت"لا والنبي "
و كأنني قولت حاجة بديهة غبية مش المفروض تتقال ، والمفروض أننا نحترم المكان والموقف و نسكت مش نقلبها جمعية نسائية و نعقد نتش في فورة كل الناس بما فيهم أحنا !!
هنا فار دمي بحق وحقيقي بقي ، ووجدت نفسي أنتفض واقفة ممسكة بزراع أمي و أتحرك خارجة بها من تلك الدائرة التي أحكمونا فيها متعمدة كل العمدة في الدهس الهرس علي أقدمها و أحذيتهن الغالية وسط أسئلة غبية من عينة رايحين فين ؟ ميصحش عيب كده .. انتصب شعر رأسي و التفت هاتفة" أنتم مالكو .. رايحين في داهية ده مش معزي ده نادي ليلي .. جاتكم مصيبة يعني في بيت الست اللي بين أيد ربنا وبردوه نازلين كلام عليها حتى محدش جاب سيرتها الطيب من ساعة ما قعدتو"
في طريقنا للخروج رتبت أمي علي كتف أبنتها و اندفعت أنا متسائلة " أنتي ها تسيهم؟؟" فقالت" طيب أعمل أيه ؟ .. ما هو لازم أعمل عزاء ولازم يحصل كده رغم أن أكرم أقعد في بيتي و أقفل عليا أنا و تاتا لكن ماكانوش ها يسبوني في حالي ولازم أمي يتعملها عزاء بردوه "
معها كامل الحق لازم يكون في عزاء لكن مش لازم الستات اللي من النوع ده يبقوا موجودين فيه .. لازم اللي من النوع يطردوا بره العزاء لازم اللي عارفين يحترموا الموقف وحرمة الروح اللي بين أيد ربنا ويتكلموا عنها يطردوا و ينتفوا و يضربوا بالجزم أم خمسمائة جينة ..
و خرجت من العزاء ده و أنا مقتنعة أني مش ها أروح عزاء ثاني علي العشرة سنين الجايين و تسألت بيني وبين نفسي .. ألهذا نقراء كثيراً عبارة " ولا عزاء للسيدات " ؟...






ليست هناك تعليقات:

إرسال تعليق