فاوست في بحثه
لوحة الشيطان مع لأنداريوللي
هناك الكثير من اللوحات التي صورت فاوست و الشيطان ،
أيهما أقرب للمسرحية ؟ أيهما أقرب للصورة الملموسة ؟ .
أهو فعلا الدكتور و الخيميائي و الفلكي : يوهان جروج ، فيشعاع اسمه في الأدب الألماني
بأنه باع روحه للشيطان مقابل قدرات خارقة .
ليس أكيد ، فاوست ستظل تحوم حول وجوده التاريخ بعض
الشكوك .. تناوله العديد من الكتّاب في مؤلفتهم مثل : أوسكار وايلد ، ميخائيل
بولكاكوف .
أفاوست مثال للإنسان الطموح للأعلى دائمًا ؟
أم الإنسان الكامل بما في نفسه من خير و شر .. إيمان و
كفر ؟
أم هو أسطورة ليست لها دلالة حقيقة علي عالم البشر ؟
في بداية المسرحية ، صور الشاعر ، فاوست علي أنه شخص كبر
بغتة دون أن يشعر وسط انشغاله بأبحاثه و علمه .. يبدي عليه الندم علي عمره الذي
يشعر أنه ضاع دون أن ينال أي شيء من المتعة المستحقة .
أراد فاوست أن يكون مثاليًا كامل القوة و العلم و الشباب
، يتمتع بكل ما يستطيع أن يتمتع به الإنسان ، كان توقًا لكل ما ملذات و شهوات
الدنيا ..
لكنه سجين جسده و سنه ، و سجين محدودية قدرات الإنسان و
علمه ، برغم تعمله ما يستطيع من علوم زمانه .
فأقدم فاوست علي الانتحار ، الحياة تعرت أمامه ، صارت
خواء ، صارت هباء أمام عينه ، فهو لن يستطيع الوصول لشيء أفضل ، علوم الأرض كبلته
إلي هذا الحد الذي لا يرضيه ..
لكن التراتيل السماوية التي دوت فجأة من العدم ، أوقفته
عن فعلته
هنا كان الظهور الأولي " مفستوفيليس " ، يلتقط الشيطان لحظات اليأس
المقصورة تلك ، اللحظة الأشهر لليأس كي يأتي ، يعرض صفقة العمر الضائع
سيعطيه إبليس أربعة و عشرون عامًا من الشباب و
العلم و القوي ، أربعة و عشرون عامًا تميمة بعدد ساعات اليوم كرمز ، سيمنحه الشباب
و السحر و العلم و كل ملذات الحياة وسيصاحبه الخادم مفستوفيليس لبقية عمره ، في
مقابل أن يبعه روحه و جسده .
هذا ما ينص عليه الأمر في الأساطير القديمة ، هذه
التميمة متجذرة في الأديان و الأساطير .
ما أكثر قيمة للشيطان من الروح ؟ .
و وافق فاوست علي أن يتحدي الإله بفعلته ، راح
يقتل و يفسق و يغوي و يسحر و يؤذي .. هوي لأسفل السافلين .
لكن فطرة فاوست السليمة لازلت تأبي الانحطاط ،
ردود الأفعال في بعض محطات المسرحية توضح ذلك ..
فاوست يأبي ، و الشيطان يغوي
و يفوز
و مع كل جرائمه تري جيدًا الإنسان الذي لا زال
ينبض داخله .
و في النهاية حين يبلغ المائة ، يري حقيقة ما
فعله ، حقيقة جرائمه ، يعمي و يبتعد عن خادمه الشيطان ، لا يستطيع أن يطلب المغفرة
..
يده مكبل في الأرض ، و رأسه لا تستطيع النظر
لطلبها
يصارع الملائكة من جهة علي روح فاوست ، و يصارع مفستوفيليس
و شيطانه من جهة عليها .
هل تنجو فعلا روح فاوست في السماء ؟ ، هل المغفرة
تنتظره ؟ .
فاوست ابتلي بعقله و فكره ورغبته في تعديه
إنسانيته لشيء أكثر ظلمة ، و إبليس ليس الشيطان فقط بل هو الجزء المظلم داخلنا ،
هو أعمق الأجزاء ظلمة داخلنا ، التي تغوينا لتنصر و تظهر .
كلنا في النهاية فاوست ، في معضلة فاوست ، في ضعف
فاوست أحيانا ..
و إبليس يلتقط الضعف ليغوي ..
_ صور غوته أشد صور الإغواء في النساء ، في
" مارجريت " و " هيلانة طروادة " ذات الجمال الآخذ الفاتن الذي
كاد يجن فاوست للظفر بها .. يعتقدون أن أقوي سلاح للشيطان هو المرأة ، فدائمًا هي
القادرة أن تضعف أي شخص بسحرها .. و لكن أليس الأمر هو أنكم أنتم من تضعفوا بهذا
السحر ؟ ، إبليس لا يأخذها لأنها الأقرب أو الطوع بل أنها نقطة ضعفكم أنتم .
المسرحية حقا من أبرع ما خط في الأدب علي مر
العصور .. مليئة بالحكايات الأسطورية و الجو المعبق بالشياطين و الأشباح و
العفاريت ، و الأطماع البشرية و الرغبات الدفينة من الناس الذين كانوا حول فاوست ،
و تحتوي الصراع الأزلي في صورة خام ممتعة .
كلما ما أستطيع التفكير فيه ، أن تلك المسرحية
كتبت من إنسان عظيم كان يعيش علي هذه الأرض ذات يوم بعيد ، فتمر في خلايا عقلي
رعشة من كم عبقريته .
التقييم
10/10
ليست هناك تعليقات:
إرسال تعليق